بقاء الاختيار تحقيقا للابتلاء. ا ه (١).
(وجوّز القاضي) أبو بكر الباقلاني (وقوع الكفر) منهم (قبل البعثة عقلا) لكن لم يقع أصلا ، (قال :) يعني القاضي (وأما الوقوع فالذي صح عند أهل الأخبار والتواريخ أنه لم يبعث من أشرك بالله طرفة عين ، ولا من كان فاسقا فاجرا ظلوما ، وإنما بعث من كان تقيا زكيا أمينا مشهور النسب حسن التربية ، والمرجع في ذلك) كله عندنا (قضية السمع) ، أي : ما تقتضيه الأدلة السمعية وقد اقتضت كل ذلك ، (و) أما (موجب العقل) فهو (التجويز والتوبة ، فالعقل لا يمنع وقوعه) ثم محو أثره بالتوبة قبل النبوة.
فإن قيل : تجويز وقوعه منهم ينافي ما يقتضيه شريف منصبهم من وجوب تصديقهم وتوقيرهم وعدم اتصافهم بما ينفر منهم ، وأي منفر أشد من الكفر؟ ، وكيف يوثق بطهارة الباطن من أثره؟ قلنا : قد أجاب القاضي عن ذلك بقوله : (ثم إظهار المعجزة) أي : بعد وقوعه والتوبة عنه (يدل على صدقهم ، و) على (طهارة سريرتهم ،) أي : نقاء قلوبهم من أدناس المعاصي (فيجب) لذلك (توقيرهم ، ويندفع النفور عنهم) (٢) ولقد كان الإمساك في هذا المختصر عن هذا التجويز أولى (٣).
(وخالف بعض أهل الظواهر والحديث في) اشتراط (الذكورة (٤) ، حتى حكموا بنبوة مريم عليهاالسلام ، وفي كلامهم) أي : كلام المخالفين في اشتراط الذكورة (ما يشعر بأن الفرق بين الرسول والنبي بالدعوة وعدمها) فالنبي على هذا : إنسان أوحي إليه بشرع ، سواء أمر بتبليغه والدعوة إليه أم لا فإن أمر بذلك فهو نبي رسول ، وإلا فهو نبي غير رسول (وعلى هذا لا يبعد) ما ذهبوا إليه من نفي اشتراط الذكورة فيمن هو نبي غير رسول ، (لأن اشتراط الذكورة لكون أمر الرسالة مبنيا على الاشتهار والإعلان والتردد إلى المجامع) أي : مواضع اجتماع الناس (للدعوة) أي : ليدعوهم إلى الإيمان بما جاء به والعمل بمقتضاه ، (و) النسوة (مبني حالهن على التستر والقرار) لا التردد والاشتهار.
__________________
(١) البداية من الكفاية ، للصابوني ، ص ٩٥.
(٢) قارن مع التمهيد ، ص ١١٣.
(٣) تجويز الباقلاني مخالف لما أورده الرازي في كتاب عصمة الأنبياء من أن الأمة أجمعت على أن الأنبياء معصومون عن الكفر والبدعة ، إلا الفضيلة من الخوارج فإنهم يجيزون الكفر على الأنبياء لصدور الذنوب التي تساوي الكفر عندهم ، والروافض يجيزون إظهار الكفر تقية ، انظر : ص ٣٩.
(٤) منهم الإمام الأشعري.