(وأما على ما ذكره المحققون) في معنى النبي والرسول (من أن النبي : إنسان بعثه الله لتبليغ ما أوحى إليه وكذا الرسول فلا فرق) بينهما ، بل هما بمعنى ، (وقد يخص الرسول بمن له شريعة وكتاب) أنزل عليه ، أو أمر بالعمل به ، (أو) له (نسخ لبعض شريعة متقدمة) على بعثته.
وعلى اشتراط الذكورة جرى من حكى الإجماع على عدم نبوة مريم عليهاالسلام كالإمام والبيضاوي وغيرهما ، ولم يبالوا بشذوذ من زعم ثبوتها تمسكا بقوله تعالى : (فَأَرْسَلْنا إِلَيْها رُوحَنا) (سورة مريم : ١٧) ، وقوله تعالى : (وَإِذْ قالَتِ الْمَلائِكَةُ يا مَرْيَمُ إِنَّ اللهَ اصْطَفاكِ) (سورة آل عمران : ٤١) ... الآيتين.
ويجاب عنه بأنه ليس وحيا بشرع ، إذ لا دلالة عليه في الآيات المذكورة ، وقد تحصل في معنى النبي والرسول ثلاثة أقوال : الفرق بينهما بالأمر بالتبليغ وعدمه ، وهو الأول المشهور ، والفرق بأن الرسول من له شريعة وكتاب أو نسخ لبعض شريعة متقدمة على بعثته ، وكونهما بمعنى واحد ، وهو الذي عزاه للمحققين (١).
وهو يقتضي اتحاد عدد الأنبياء والرسل ، ولا يخفى مخالفة ذلك للوارد في حديث أبي ذر الذي قدمناه.
هذا كلام في معنى النبي شرعا ، وأما أصله لغة : فلفظه بالهمز ، وبه قرأ نافع : من النبأ ، وهو الخبر ، فعيل بمعنى اسم الفاعل ، أي : منبئ عن الله ، أو بمعنى اسم المفعول ، أي : منبأ ؛ لأن الملك ينبئه عن الله بالوحي.
وبلا همز ، وبه قرأ الجمهور ، وهو : إما مخفف المهموز ، بقلب الهمزة واوا ثم إدغام الياء فيها ، وإما من النبوة أو النباوة بفتح النون فيهما ، أي : الارتفاع ، فهو أيضا فعيل بمعنى اسم الفاعل ، أو بمعنى اسم المفعول ؛ لأن النبي مرتفع الرتبة على غيره أو مرفوعها (٢). وسيأتي تلخيص لهذا أواخر الكتاب (٣).
(وقد يقال): إيرادا على اشتراطهم عدم العيوب المنفرة (أن بلاء أيوب عليه) الصلاة و (السلام كان منفرا) أي : منفر كما هو مذكور في كتب التفسير وقصص الأنبياء.
__________________
(١) انظر : دلائل النبوة ، للأصبهاني ، ١ / ٣٣ ـ ٣٤.
(٢) انظر : مختار الصحاح ، للرازي ، ص ٦٤٤.
(٣) في ص ٢٨٥.