(وأما) الأول وهو (القرآن فهو : المعجزة العقلية) (١) أي : التي يهدي إلى إعجازها العقل لمن كان عارفا بطريق البلاغة أو كانت البلاغة له سليقة ، ومع كون المعجزة عنه معقولا فهو منقول أيضا عمن قصد المعارضة ، ممن سولت له نفسه ذلك ، فأقر بالعجز مع كونه من فرسان البلاغة ، ومنهم من أتى بما فضح به نفسه عند أبناء جنسه ، كما لا يخفى على من ألمّ بالتواريخ (٢).
(الباقية) نعت ثان ل «المعجزة» فإن كون القرآن معجزا وصف له باق (على طول الزمان ، الذي) خبر ثان عن ضمير القرآن ، فإن من أوصافه أنه الذي (أعيا كل بليغ بجزالته وغرابة أسلوبه وبلاغته) و «الجزالة» يقابلها «الركة» فليس في نظمه لفظ ركيك.
و «غرابة أسلوبه» هو أنه يخالف المعهود من أساليب كلام العرب ، إذ لم يعهد في كلامهم كون المقاطع على مثل (يَعْمَلُونَ) (المائدة : ٦٨) و (يَفْعَلُونَ) (المائدة : ٧٩) ، والمطالع على مثل : (يا أَيُّهَا النَّاسُ) (البقرة : ٢١ ، ١٦٨ وغيرها) ، (يا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ) (١) (سورة المزمل : ١) ، (الْحَاقَّةُ (١) مَا الْحَاقَّةُ) (٢) (سورة الحاقة : ١ ـ ٢) ، (عَمَّ يَتَساءَلُونَ (١)) (سورة النبأ : ١).
وأما «بلاغته» فنظمه بالغ فيها الحد الخارج عن طوق البشر ، وإن أمكن بالنسبة إلى قدرة الباري سبحانه ما هو فوق ذلك كما صرح به في «شرح المقاصد» ؛ لأن مقدوراته تعالى لا تتناهى.
واكتفى المصنف بوصفه بالبلاغة عن وصفه بالفصاحة معها لاندراج مفهومها في مفهوم البلاغة اصطلاحا.
(لا بالأولين) أي : وليس إعجازه بالجزالة وغرابة الأسلوب (فقط ،) دون البلاغة (كقول القاضي) أبي بكر بن الطيب الباقلاني ، (ولا) إعجازه (بالصرف) أي : صرف همم المتحدّين (عن التوجه إلى معارضته وسلبهم القدرة) على مثله (عند قصد ذلك ، خلافا للمرتضى) من الشيعة (وغيره) كالنّظام وكثير من المعتزلة ،
__________________
(١) عبر بالمعجزة العقلية ؛ لأنها تواجه العقل بكل ما فيه من قوى الإدراك والاستبصار ، وتنقسم إلى المعجز المناسب الذي يبطل القول بالصرفة ، ويوجه إلى كل قوم منسجم مع حالهم ، والمعجز العام الذي يتحدى به جميع الخلائق وفي كل الدهور.
(٢) كمسيلمة الكذاب الذي حاول تقليد القرآن ، فأتى بتفاهات ، قال : «الفيل والفيل وما أدراك ما الفيل ، له ذنب طويل وخرطوم وثيل» إلى آخر ذلك من الترهات ، انظر : التمهيد ، للباقلاني ، ص ١٢٨ ، ويورد الباقلاني نصا آخر عن الضفدعة ، وانظر : الاقتصاد ، ص ١١٩.