(وإلا) أي : وإن لا يكن ما ذكرنا بأن كان ما ذكره من أن إعجازه بالصرف (كان الأنسب) على قولهم (ترك بلاغته ، فإنه إذا كان غير بليغ ولم يقدروا على معارضته كان أظهر في خرق العادة به) ولأن القول بالصرف ينافي المنقول عمن كان يسمعه من البلغاء من طربهم لبلاغته وحسن نظمه وتعجبهم من سلاسته مع جزالته ومن وصفهم إياه بما يدل على ذلك ، وقد فصل صاحب الشفاء بعض ذلك (١).
(وأما) الأمر الثاني وهو (حاله) صلىاللهعليهوسلم ، (فما) أي : فهو ما (استمر عليه من الآداب الكريمة ، والأخلاق الشريفة التي لو أفني العمر) بالبناء للمفعول (في تهذيب النفس لم تحصل) لمن أفنى عمره في التهذيب (كذلك ،) أي : كما حصلت له صلىاللهعليهوسلم ، وتلك الأخلاق هي ما ورد من سماته الشريفة بالأسانيد الصحيحة التي هي في كل منها أخبار آحاد متعددة ، يفيد مجموعها تواتر القدر المشترك بينها ، وهو ثبوت ذلك الخلق له صلىاللهعليهوسلم (كالحلم) وهو كما في «الشفاء» : حالة توقير وثبات عند الأسباب المحركات (٢) ، (وتمام التواضع) منه صلىاللهعليهوسلم (للضعفاء بعد تمام رفعته ، و) تمام (انقياد الخلق له ، والصبر ،) وهو : حبس النفس عند حلول ما تكره (والعفو ،) وهو : ترك المؤاخذة بالذنب (مع الاقتدار) وقوله : (عن المسيء إليه ،) متعلق بالعفو ، (ومقابلة السيئة بالحسنة ، والجود ،) وقد مر تفسيره في صحيح البخاري عن ابن عباس : «كان النبي صلىاللهعليهوسلم أجود الناس بالخير وكان أجود ما يكون في رمضان» الحديث (٣) ، وفيه عن جابر : «ما سئل النبي صلىاللهعليهوسلم شيئا قط فقال لا» (٤) (وتمام الزهد في الدنيا ، و) شدة (الخوف من الله تعالى ، حتى أنه ليظهر عليه) أثر (ذلك) الخوف الشديد (إذا عصفت الريح ونحوه) أي : نحو وقت عصف الريح ، من الأوقات التي تعرض فيها (٥) عوارض سماوية من الكسوف وغيره (٦) ، أو نحو ما ذكر من هذه الأخلاق الشريفة ، كالوفاء بالوعد ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، والحياء ، وما ينتظم في هذا المسلك ، فقد كان صلىاللهعليهوسلم أعلى الخلق مقاما في كل
__________________
(١) انظر : الشفاء ، ١ / ٥٢٩.
(٢) المرجع السابق ، ١ / ١٣٥.
(٣) الحديث أخرجه البخاري في كتاب الصوم ، باب أجود ما كان النبي صلىاللهعليهوسلم يكون في رمضان ، رقم ١٨٠٣ ، وفي كتاب المناقب ، باب صفة النبي صلىاللهعليهوسلم ، رقم ٣٣٦١.
(٤) الحديث أخرجه مسلم برقم ١٨٠٥ ، وأخرجه القاضي عياض في الشفاء ، ١ / ١٤٥.
(٥) سقطت في (م).
(٦) في (م) : ودوام فكره.