أَنْشَأَها أَوَّلَ مَرَّةٍ) (سورة يس : ٧٩) ، وقوله تعالى : (فَسَيَقُولُونَ مَنْ يُعِيدُنا قُلِ الَّذِي فَطَرَكُمْ أَوَّلَ مَرَّةٍ) (١) (وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ) (٢) (سورة الإسراء : ٥١) ، وقوله تعالى : (أَيَحْسَبُ الْإِنْسانُ أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظامَهُ (٣) بَلى قادِرِينَ عَلى أَنْ نُسَوِّيَ بَنانَهُ (٤)) (سورة القيامة : ٣ ـ ٤) ، وقوله تعالى : (يَوْمَ تَشَقَّقُ الْأَرْضُ عَنْهُمْ سِراعاً ذلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنا يَسِيرٌ (٤٤)) (سورة ق : ٤٤) ، وقوله تعالى : (يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمنِ وَفْداً (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلى جَهَنَّمَ وِرْداً) (سورة مريم : ٨٥) ، وقوله تعالى : (أَفَلا يَعْلَمُ إِذا بُعْثِرَ ما فِي الْقُبُورِ) (٩) (سورة العاديات : ٩) إلى غير ذلك من الآيات ، وقد تواتر معناه في الأحاديث النبوية (حتى صار) لكثرة تكراره في الكتاب والسنة وعلى ألسنة علماء الأمة (مما علم بالضرورة) من الدين ، فلا يتوقف على نظر ، (وانعقد الإجماع على كفر من أنكرهما) أي : الحشر والنشر (جوازا أو وقوعهما) أي : أنكر جواز وقوعهما ، أو أنكر وقوعهما وإن جوزه.
وقد أنكرهما معا الفلاسفة الزاعمون أن لا معاد إلا الروحاني لا الجسماني (٣) ، وهذا الإنكار هو أحد الأمور التي كفروا بها.
(وإن لم يجمع على الإكفار بجحد كل فرض) كما ستعرفه في الخاتمة (٤) ، بل قد وقع بين أئمتنا خلاف في إكفار الفرق المخالفة لنا من أهل القبلة ، كالمعتزلة وغيرهم ، والمعتمد عدم تكفيرهم (٥).
(وأوجبه المعتزلة) أي : قالوا بوجوب وقوع ما ذكر من الحشر والنشر (عقلا بناء) منهم (على إيجابهم) على الله تعالى (ثواب المطيع) أي : إثابته (وعقاب العاصي) أي : معاقبته ، (وعندنا : وجوب وقوعه) أي : ما ذكر من الحشر والنشر (لإخباره) تعالى (به فقط) في كتبه وعلى ألسنة رسله ، لا إيجاب العقل وقوعه.
__________________
(١) سقط من (م).
(٢) سقط من (م).
(٣) المعاد الروحاني عند الفلاسفة : قال الفلاسفة باستحالة بعث الأجساد ؛ لأن الدليل العقلي قام على ذلك ، وقدروا عود الروح إلى البدن على ثلاثة أقسام : ١ ـ الروح عرض من أعراض البدن يفارقه ويعود إليه ، وليست الروح جوهرا مفارقا قائما بنفسه. ٢ ـ الروح جوهر قائم بذاته يتصل بالبدن اتصال تدبير وتصريف ، وينقطع عنه بالموت ، والجسم بعد الموت يتفرق ثم يعود هو بعينه. ٣ ـ النفس جوهر مفارق وعوده يكون إلى البدن أي بدن كان ، وقد ادعوا أن هذا التقدير باطل ، ومن ذلك يخلصون إلى أن البعث والمعاد روحاني ؛ لأن الروح لا يمكنها معاودة اتصالها بالمادة. وقد تتبع الغزالي ادعاءهم وأشبعه نقضا ، انظر : تهافت الفلاسفة ، ص ٢٧٣ ـ ٢٩٤.
(٤) في ص ٣٥٣.
(٥) انظر : التبصير في الدين للأسفراييني ، ص ١٨٠ ـ ١٨٢.