(و) لا يجب عندنا على الله شيء ، فنحن لذلك (نجوّز العفو عمّن مات مصرّا على الكبائر بشفاعة النبي) صلىاللهعليهوسلم ، (أو دونها) بمحض فضل الله سبحانه.
قال تعالى : (إِنَّ اللهَ لا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ ما دُونَ ذلِكَ لِمَنْ يَشاءُ) (سورة النساء : ٤٨) ؛ وروى أنس بن مالك أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «شفاعتي لأهل الكبائر من أمتي» أخرجه أبو داود والترمذي وابن حبان والبزار والطبراني (١) ، وروى أحمد بإسناد جيد أنه صلىاللهعليهوسلم قال : «شفاعتي لمن يشهد أن لا إله إلا الله مخلصا وأن محمدا رسول الله يصدق لسانه قلبه وقلبه لسانه» (٢).
(وعندهم) أي : المعتزلة (لا أثر للشفاعة إلا في زيادة الثواب ، للوجوب) أي : لأجل قولهم بالوجوب (الذي ذكرناه) عنهم ، وهو وجوب تعذيب من مات مصرا على المعصية وإثابة من مات على الطاعة بحسب طاعته.
(ولا خلاف في عدم العفو عن الكفر) إنما الخلاف في دليله ، فلا يجوز وقوعه (سمعا عندنا ،) أي : من جهة دلالة السمع ، قال تعالى : ((فَما تَنْفَعُهُمْ شَفاعَةُ الشَّافِعِينَ (٤٨)) (سورة المدثر : ٤٨)) أي : (لو شفّعوا ، لكن لا يقع ذلك) أي :
إتيانهم بالشفاعة ، قال تعالى : ((مَنْ ذَا الَّذِي يَشْفَعُ عِنْدَهُ إِلَّا بِإِذْنِهِ) (سورة البقرة : ٢٥٥).
(و) لا يجوز العفو عن الكفر (عقلا) أي : من جهة دلالة العقل (عندهم) أي : المعتزلة ، (على ما زعموا هم وصاحب «العمدة» من الحنفية بناء) منهم (على أن العفو عنهم) أي : عن الكفار (مخالف للحكمة ، على ما ظنوا) قالوا : قضية الحكمة التفرقة بين المسيء والمحسن ، وفي جواز العفو عن المسيء تسوية بينهما ، (فيمتنع) العفو (عقلا عليه تعالى ، فيجب العقاب) أي : وقوعه منه تعالى ؛ لأنه يثبت بترك العقاب نقص في نظر العقل ، لكونه خلاف قضية الحكمة (كما أسمعناك) في الأصل الرابع من أصول الركن الثالث ، (من معنى الوجوب المنسوب إليه تعالى في كلامهم).
وقد أجيب بعد التنزل إلى تسليم قاعدة الحسن والقبح العقليين بمنع كون
__________________
(١) الحديث أخرجه البخاري في التاريخ الكبير بالإسناد نفسه ، برقم ٥٠٩ ، وأخرجه أبو داود ، برقم ٤٧٣٩ ، والترمذي ، برقم ٢٤٤١ ، وقال : حديث حسن غريب. وأبو داود والترمذي أخرجاه عن جابر.
(٢) الحديث في المسند عن أبي هريرة ، ٢ / ٣٠٧ ، ٥١٨ ، دون لفظ : «وأن محمدا رسول الله».