قضية الحكمة التفرقة ولو سلم ، فيجوز أن تكون التفرقة بوجه آخر غير دوام تعذيب المسيء ، كحرمانه النعيم دون تعذيب بالنار.
(ويشفع الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (والصلحاء) من الشهداء وغيرهم للأحاديث الصحيحة الكثيرة المتواترة المعنى ؛ ومنها :
حديث أبي سعيد في الصحيحين أن ناسا قالوا : «يا رسول الله هل نرى ربنا يوم القيامة؟ ... الحديث بطوله ، وفيه : «فيقول الله تعالى : شفعت الملائكة وشفع النبيون وشفع المؤمنون ، ولم يبق إلا أرحم الراحمين ...» الحديث (١).
وحديث أبي سعيد أيضا عند الترمذي وحسنه : «إن من أمتي من يشفع للفئام ، ومنهم من يشفع للقبيلة ، وللرجل والرجلين على قدر عمله» (٢).
ومنها حديث الترمذي وابن ماجة وابن حبان وغيرهم : «ليدخلن الجنة بشفاعة رجل ومن أمتي أكثر من بني تميم» (٣).
(و) قد (اختلف في كيفية الإعادة) بعد الموت ، ومصير البدن ترابا :
(فذهبت طائفة من الكرّامية) أتباع محمد بن كرّام ـ بتشديد الراء ، وبعضهم يخففها ـ (إلى أن الجواهر) أي : الأجزاء التي منها تأليف البدن لا تنعدم ، بل تتفرق وتختلط بغيرها ، وتتصور بصورة التراب مثلا ، وقد زالت عنها الحياة واللون والرطوبة والهيئة والتركيب ، (ثم يجمعها) الله (سبحانه ويؤلفها على النهج الأول) كما كانت. وأصل «النهج» : سلوك الطريق ، ويطلق مرادا به الطريق ، والحال ، والصفة وهو المراد هنا.
ووجه ما قاله هؤلاء : بأن الأجزاء المتفرقة المذكورة قابلة للجمع بلا ريبة ، والله سبحانه عالم بتلك الأجزاء ، وأنها لأي بدن من الأبدان ، قادر على جمعها وتأليفها ، لما تقرر من عموم علمه تعالى لكل المعلومات ، وشمول قدرته لكل
__________________
(١) أخرجه مسلم برقم (١٨٣) عن أبي سعيد الخدري. وأخرجه الحاكم في المستدرك برقم (٨٧٣) وقال : هذا حديث صحيح الإسناد.
(٢) أخرجه الترمذي في كتاب صفة القيامة ، باب ما جاء في الشفاعة ، برقم ٢٤٤٥ ، وقال فيه : حديث حسن. والفئام : الجماعة الكثيرة.
(٣) أخرجه الترمذي في كتاب صفة الصلاة برقم ٢٤٤٣ ، وأخرجه ابن ماجه في الزهد برقم ٤٣١٦ ، وأخرجه ابن حبان برقم ٧٣٧٦.