إنما كان على وفق تعلق العلم به) أي : بوجوده ، (والفرض أنها) أي : الموجودات (أيضا بعد طريان العدم) عليها (ثابتة في العلم) حال كونه (متعلقا) في الأزل (بإيجادها) لوقت وجودها ، إذ المعدومات التي برزت إلى الوجود إنما وجدت على حسب تعلق العلم بوجودها ، قبل بروزها إلى الوجود وبعده ، والموجودات التي طرأ عليها العدم إنما عدمت على حسب تعلق العلم في الأزل ، وإذا وجدت ثانيا فعلى حسب تعلق العلم في الأزل بإيجادها (١).
قال المصنف رحمهالله : (وعندي) أنه (يجب حمل قول المعتزلة بثبوت الجواهر في العدم وتقررها فيه على هذا ، أعني : الثبوت والتقرر العلمي ، إذ يبعد من العقلاء ذوي الخوض في الدقائق التكلم بما لا معنى له ولا وجه) فإن المعتزلة يقولون : المعدوم شيء وثابت ، فإذا عدم الموجود بقي ذاته المخصوصة ، فأمكن لذلك أن يعاد (٢).
قولهم : «المعدوم ثابت» إذا لم يحمل على ما قاله المصنف لا يتحصل منه معنى ، ولا يتجه له وجه يحمل عليه ، إذ ليس للثبوت معنى إلا الوجود والتحقق. ولو قيل : المعدوم موجود لكان كلاما متناقضا لا يصدر عن عاقل ، ثم على ما أوّله عليه المصنف يصح ويرتفع النزاع بيننا وبينهم.
(وكذا) أي : وكما أقول بوجوب حمل قول المعتزلة بثبوت الجواهر في العدم على ما ذكر (لا أجزم) بقول من الأقوال التي اختلف فيها القائلون بصحة الفناء على الجواهر ، فلا أجزم (بأن الإفناء) أي : إفناء الجوهر (بكلمة «افن» كإيجاده بكلمة «كن») كما ذهب إليه أبو الهذيل من المعتزلة (أو) إن إفناء الجوهر (بواسطة إحداث ضد (٣)) له (هو الفناء الواحد للكل) أي : كل أجزاء البدن كما قاله ابن الإخشيد (٤) من المعتزلة ، فإنه ذهب إلى أن الفناء وإن لم يكن متحيزا لكنه
__________________
(١) فعلم الله في كل التعلقات كاشف غير مؤثر ، وإنما تؤثر القدرة والإرادة وفق تعلقات العلم.
(٢) في شيئية المعدوم : لما صار المعتزلة إلى تعريف المعدوم بأنه : المعلوم الذي ليس بموجود ؛ قالوا بشيئيته بناء على أنه حقيقة لشيء. وأول من أحدث القول بذلك الشحام ، والراجح كما قال الجويني ما صار إليه أهل الحق أن المعدوم منتف من كل الوجوه ، فليس بشيء. (انظر : الشامل للجويني ص ١٢٤).
(٣) في (م) : صفة.
(٤) ابن الإخشيد : أحمد بن علي بن بيغجور ، أبو بكر ، من رؤساء المعتزلة ، توفي سنة ٣٢٦ ه. من مؤلفاته «الإجماع». (الأعلام ١ / ١٦٥)