الصوفية والشيعة ، والفرق بينه وبين مذهب التناسخية (١) كما قال الإمام الرازي في «نهاية العقول» أن التناسخية ، يقولون بقدم الأرواح ، وردّها إلى الأبدان في هذا العالم ، وينكرون الآخرة والجنة والنار ، والمسلمين القائلين بالمعاد الروحاني يقولون بحدوث الأرواح وردّها إلى أبدانها ، لا في هذا العالم بل في الآخرة ، والقول بالنفوس المجردة لا يرفع بانفراده أصلا من أصول الدين ، بل ربما يؤيده (٢). اه ملخصا.
(وأكثر المتكلمين على الأول) وهو أن الروح جسم لطيف سار كما مر (لقوله تعالى : (فَادْخُلِي فِي عِبادِي (٢٩)) (سورة الفجر : ٢٩) والتجرد ينافيه) أي : ينافي الدخول في العباد بمعنى الدخول في أبدانهم ؛ لأن المجرد لا يكون داخلا في البدن لا بكونه جزء منه ولا قوة حالة فيه ، إذ المجرد كما مر عبارة عما ليس بجسم ولا قوة حالة في الجسم ، بل هو لا مكاني ، فلا يقبل إشارة حسية ، وإنما يتعلق بالبدن تعلق التدبير والتصرف ، كتدبير الملك أمور إقليم وليس حالا به ، (وكذا ما ورد) في الحديث (من أن أرواح بعض المؤمنين في أجواف طيور خضر ترتع في الجنة وتأوي إلى قناديل معلقة تحت العرش ، وأرواح الكفار في) أجواف (طيور سود في سجين) كل ذلك ينافي التجرد كما مر.
والوارد في أرواح بعض المؤمنين ، هو ما في صحيح مسلم من حديث مسروق قال : سألنا عبد الله ، يعني : ابن مسعود ، عن تفسير هذه الآية (وَلا تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُوا فِي سَبِيلِ اللهِ أَمْواتاً بَلْ أَحْياءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩)) (سورة آل عمران : ١٦٩) ، فقال : أما إنا قد سألنا عن ذلك رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فقال : «أرواحهم في أجواف طير خضر لها قناديل معلقة بالعرش ، تسرح من الجنة حيث شاءت ثم تأوي إلى تلك القناديل» (٣).
وفي جامع الترمذي من حديث كعب بن مالك أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم قال : «إن
__________________
(١) التناسخية : أصحاب هذا المذهب قسمان : القائلون بتناسخ الأرواح في الأجسام والانتقال من شخص إلى شخص وأن الجنة والنار في الأبدان ، والقائلون بأن الدرجة الأعلى درجة الملائكة والأسفل دركة الشياطين ، وهم الذين يقولون بالخلاص : أي رجوع النور إلى عالمه الشريف وبقاء أجزاء الظلام في عالمه الخسيس. (انظر : الملل والنحل ، ص ٢٥٤).
(٢) تمام عنوانه : نهاية العقول في دراية الأصول. الكتاب لا يزال مخطوطا ، وهو كتاب في أصول الدين مرتب على عشرين أصلا. انظر : كشف الظنون ، ٢ / ١٩٨٨.
(٣) الحديث أخرجه مسلم في كتاب الإمارة ، باب بيان أن أرواح الشهداء في الجنة ، برقم ١٨٨٧.