ثم قال عقيب ذلك في «شرح المقاصد» : نعم ؛ ربما يميل كلامه وكلام كثير من القائلين بالمعادين إلى أن معنى ذلك أن يخلق الله تعالى من الأجزاء المتفرقة لذلك البدن بدنا فيعيد إليه نفسه المجردة الباقية بعد خراب البدن ، ولا يضرنا كونه غير البدن الأول بحسب الشخص ، ولا امتناع إعادة المعدوم بعينه (١). اه. كلام «شرح المقاصد».
واعلم أن كلام الغزالي في «الاقتصاد» صريح في أن المعاد عين الأول ، فإنه قال بعد أن ذكر ذلك ، فإن قيل : بم يتميز المعاد عن مثل الأول ، وما معنى قولهم : إن المعاد هو عين الأول؟ ، قلنا : المعدوم منقسم في علم الله تعالى إلى ما سبق له وجود ، وإلى ما لم يسبق له وجود ، كما أن العدم في الأزل انقسم إلى ما سيكون له وجود ، وإلى ما علم الله أنه لا يوجد ، وهذا الانقسام لا سبيل إلى إنكاره ، فالعلم شامل والقدرة واسعة ، ومعنى الإعادة أن يبدل الوجود بالعدم الذي سبق له الوجود ، ومعنى المثل أن يخترع الوجود لعدم لم يسبق له وجود (٢).
ثم قال : وقد ظننّا (٣) في هذه المسألة في كتاب «التهافت» (٤) يعني : مؤلفه الذي سماه «تهافت الفلاسفة» وسلكنا في إبطال مذهبهم ، تقدير بقاء النفس التي هي غير متحيزة عندهم ، وتقدير عود تدبيرها إلى البدن ، سواء كان ذلك البدن هو عين جسم الإنسان أو غيره ، وذلك إلزام لا يوافق ما نعتقده ، فإن ذلك الكتاب مصنّف لإبطال مذهبهم ، لا لإثبات المذهب الحق ، ولكنهم لما قدروا أن الإنسان هو ما هو باعتبار نفسه ، وأن اشتغاله بتدبير البدن كالعارض له والبدن آلة له ، ألزمناهم بعد اعتقادهم بقاء النفس وجوب التصديق بالإعادة ، وذلك برجوع النفس إلى تدبير بدن من الأبدان (٥). اه كلام «الاقتصاد». وفيه من إبعاد حجة الإسلام عما نسب إليه ما لا يخفى.
__________________
(١) شرح المقاصد ، ٥ / ٩٠.
(٢) مراتب الوجود : ١ ـ الموجود بالفعل ، ٢ ـ وممتنع الوجود الذي يدرك على المستوى الذهني كمفهوم ولكنه ممتنع الوجود وترتيبه تسامحا ، ٣ ـ وغير الموجود الخارجي أي : الثابت الذي وجد ثم عدم أو معدوم وسيوجد.
(٣) في النسخة المحققة للكتاب : «وقد أطنبنا» وهو اللائق.
(٤) انظر : تهافت الفلاسفة ، ص ٢٦٠.
(٥) الاقتصاد في الاعتقاد ، ص ٢٣٤.