واعلم أنه قد كثر استعمال المصنفين في خطبهم لفظ «المتفرد» بصيغة التفعل وكذا «المتوحد» و «المتقدس» ونحوهما ، مع أن الأسماء توقيفية على المرجّح ، وهو قول الأشعري ، ولم يرد بذلك سمع ، وإن ورد أصلها ك «الواحد» و «الأحد» ، أو ما بنحو معناه ك «القدوس» بالنسبة إلى «المتقدس».
وحينئذ فإطلاقها إما على قول القاضي أبي بكر الباقلاني وهو أنه يجوز إطلاق اللفظ عليه تعالى إذا صحّ اتّصافه به ولم يوهم نقصا وإن لم يرد به سمع. أو على مختار حجة الإسلام والإمام الرازي من جواز الإطلاق دون توقيف في الوصف ، حيث لم يوهم نقصا دون الاسم ؛ لأن وضع الاسم له تعالى نوع تصرف ، بخلاف وصفه تعالى بما معناه ثابت له. وقد بسطت الكلام على معنى هذه الصيغة في حقه تعالى بما يتعين مراجعته من «حاشية شرح العقائد» (١).
وفي قوله : (الحاكم على من سواه بالفناء والعدم) تنبيه على أنه مع تفرده بالقدم متفرد بالبقاء أيضا.
وفي قوله : (ثمّ يعيدهم) أي : بعد إفنائهم (لفصل القضاء بينهم ، فيأخذ للمظلوم ممّن ظلم) أي : ممّن ظلمه ، تنبيه على أن من الحكمة في الإعادة فصل القضاء بين المظلوم وظالمه ، وقد ورد في الحديث إعادة البهائم لهذا التناصف.
وفي قوله : (ويجزي كلّ نفس بما عملت حسب ما علم تعالى وجرى به القلم) من عملها وجزائه (ويتدارك بعفوه من شاء ، ومن شاء منه انتقم) جرى على مذهب أهل السنة والجماعة من أن كلا من العمل وجزائه راجع إلى المشيئة الإلهية ، فلو شاء تعالى لما أثاب الطائع ولا أوجد منه طاعة ، وأن العاصي في المشيئة إن شاء عفا عنه وإن شاء عذّبه ، خلافا لأهل الاعتزال فيهما ، وسيأتي ذلك في محلّه (٢) ، (له الأمر كلّه ، لا يسأل عمّا فعل واحتكم) أي : حكم به أو أودعه من الحكم في خلق مخلوقاته وإبداع مصنوعاته ، أو عمّا أحكمه من ذلك ، وفيه إشارة إلى أنه تعالى لا يجب عليه شيء ، نفيا لمذهب الاعتزال (٣).
__________________
(١) انظر : «الحواشي البهية على شرح العقائد النسفية ١١ ؛ ١ / ٥ و ٢ / ٤٢.
(٢) في ص : ٦٣.
(٣) وجوب رعاية الأصلح والصلاح عند المعتزلة يتضمن وجوب الثواب للمطيعين والعقاب للمذنبين ، وابتداء الخلق والتكليف بالرعاية ، لنفي العبث في صنعته وإبداعه وخلقه ، وخرجوا من هذا المبدأ بنتائج تخالف المعقول والمنقول ، كالقول بأن خلود الكفار في النار هو الأصلح لهم والأنفع.