وقال تعالى : (وَحاقَ بِآلِ فِرْعَوْنَ سُوءُ الْعَذابِ النَّارُ يُعْرَضُونَ عَلَيْها غُدُوًّا وَعَشِيًّا ...) الآية (سورة غافر : ٤٥ ـ ٤٦).
وفي الصحيحين من حديث ابن عمر : «إن أحدكم إذا مات عرض عليه مقعده بالغداة والعشي ، إن كان من أهل الجنة فمن أهل الجنة ، وإن كان من أهل النار فمن أهل النار ، يقال له : هذا مقعدك حتى يبعثك الله إليه يوم القيامة» (١).
وكل من السؤال في القبر وعذابه ونعيمه أمر (ممكن وردت به هذه الأخبار المتواترة المعنى ، فيجب التصديق به) وقد تمسك المنكرون للسؤال وعذاب القبر ونعيمه ، وهم ضرار بن عمرو وبشر المريسي (٢) وأكثر متأخري المعتزلة ، بأن ذلك يقتضي إعادة الحياة إلى البدن ، لفهم الخطاب وردّ الجواب وإدراك اللذة والألم ، وذلك منتف بالمشاهدة ، وذكر المصنف الجواب عن ذلك ، وتوضيحه : أنّا نمنع اقتضاء ذلك عود الحياة الكاملة إلى جميع البدن ، (وغاية ما يقتضي إعادة الحياة إلى الجزء الذي به فهم الخطاب ورد الجواب ،) والإنسان قبل موته لم يكن يفهم بجميع بدنه ، بل بجزء من باطن قلبه ، وإحياء جزء يفهم الخطاب ويجيب ممكن مقدور عليه ، وأمور البرزخ لا تقاس بأمور الدنيا ، (وبه) أي : بهذا التقرير ، و «الباء» بمعنى : مع ، أي : ومع هذا التقرير (يبعد قول من قال إنه لا يخلق فيه) أي : في هذا الميت (قدرة ولا فعل اختياري ،) و «يبعد» معناه هنا (٣) : يظهر بعده ، إذ كيف يجيب الملكين دون قدرة على الجواب ولا اختيار له ، والقول المذكور منقول في «شرح المقاصد» (٤) عن أهل الحق ، واستشكله مصنفه بجواب الملكين ، ولم يبال المصنف بنسبته إلى أهل الحق ، فبيّن أنه بعيد ، ثم أشار إلى تمسكات المنكرين ودفعها.
فأشار إلى التمسكات بقوله : (وما استحيل به) ما ذكر من السؤال وعذاب القبر ونعيمه (من) جهة (أن اللذة والألم والتكلم) كل منها (فرع الحياة والعلم
__________________
(١) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب الميت يعرض عليه بالغداة والعشي ، رقم ١٣١٣ ، وأخرجه مسلم في الجنة وصفة نعيمها وأهلها ، رقم ٢٨٦٦. ومسلم في كتاب ذكر الموت ، رقم ٢٨٦٦.
(٢) ضرار بن عمرو : الغطفاني الضبي ، أبو عمرو ، قاض من كبار المعتزلة ، طمع برئاستهم في بلده فلم يدركها ، فخالفهم فكفّروه وطردوه ، وصنف نحو ثلاثين كتابا بعضها في الرد عليهم وعلى الخوارج ، توفي نحو ١٩٠ ه. (الأعلام للزركلي ، ٣ / ٢١٥).
(٣) ليست في (م).
(٤) انظر : شرح المقاصد ، ٥ / ١١٣.