والقدرة ، ولا حياة بلا بنية) إذ البنية قد فسدت وبطل المزاج ، (و) من جهة (كون الميت ساكتا لا يسمع سؤالنا) إذا سألناه ، (ومنهم) أي : من الموتى (من يحرق ويصير رمادا وتذروه الرياح ، فلا يعقل حياته وسؤاله).
وأشار إلى دفعها بقوله : (فمجرد استبعاد لخلاف المعتاد) وهو لا ينفي الإمكان (فإن ذلك) الأمر الذي يتكلم فيه من سؤال الملكين وعذاب القبر ونعيمه (ممكن ، إذ لا يشترط في الحياة البنية) كما قدمناه ، (ولو سلم) اشتراطها (جاز أن يحفظ الله) تعالى (من الأجزاء ما يتأتى به الإدراك) بأن يصلح بنيته (وإن كان) الميت (في بطون السباع وقعور البحار) وغاية ما في الباب أن يكون بطن السبع ونحوه قبرا له (ولا يمتنع أن لا يشاهد الناظر منه ما يدل على ذلك ، فإن النائم ساكن بظاهره) وهو مع ذلك (يدرك) من الآلام واللذات ما يحس تأثيره عند يقظته ، كألم ضرب رآه بعد استيقاظه من منامه ، وخروج مني من جماع رآه في منامه ، (و) قد (كان) نبينا (عليه) الصلاة (والسلام يسمع كلام جبريل ويشاهده (١) ، ومن) أي : والحال أن من (حوله) من الصحابة (أو) من هو (مزاحمه في مكانه) كعائشة إذ كانت معه بفراش واحد (لا شعور له بذلك).
وإنكار السؤال وما ذكر معه لعدم المشاهدة يؤدي إلى إنكار ما ذكر من مشاهدة النبي صلىاللهعليهوسلم لجبريل وسماعه كلامه وسماع جبريل جوابه ، وإنكاره كفر وإلحاد في الدين (٢) (وهذا) أي : ما ذكرناه من سماع سؤال الملكين وفهمه وردّ جوابهما ، وإن لم يشاهد ذلك إنما قلنا به (لأن الإدراك والإسماع) عندنا معشر أهل الحق (بخلق الله تعالى ، فإذا لم يخلقه لبعض الناس لا يكون له) كما يدل عليه قوله تعالى : ((وَلا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِما شاءَ) (سورة البقرة : ٢٥٥)).
(وبعد اتفاق أهل الحق على إعادة قدر ما يدرك به) الألم واللذة (من الحياة) إلى جسد الميت (تردد كثير من الأشاعرة والحنفية في إعادة الروح) إليه أيضا ، (فمنعوا تلازم الروح والحياة إلا في العادة) فقالوا : لا تلازم بينهما عقلا ، قالوا :
__________________
(١) حديث سماع كلام جبريل في صحيح البخاري كتاب فضائل القرآن ، باب كيف نزول الوحي ، رقم ٤٦٩٥ ، وأخرجه أيضا برقم ٣٤٣٥.
(٢) لأنه يؤدي إلى إنكار الوحي والقرآن ، وهو ما يعني إنكار الدين كله ، لأن الدين لم يكن إلا عن طريق الوحي والقرآن ، وهذا الإنكار من المحالات البديهية ، لقطعية ثبوت النبوة كما سبق في مباحثها ، وقطعية تلقي الوحي عن طريق جبريل.