فقد تعود الحياة دون عود الروح خرقا للعادة ، وما يتوهم من امتناع الحياة بدون روح ممنوع (١).
(ومن الحنفية القائلين بالمعاد الجسماني من قال بأنه توضع فيه الروح) بحيث يدرك ما ذكرنا من اللذة والألم ، (و) أما (قول من قال : إذا صار ترابا يكون روحه متصلا بترابه فيتألم الروح والتراب جميعا) فهذا القول منه (يحتمل قوله) بالنصب ، أي : يحتمل أن يكون قائلا (بتجرد الروح وجسمانيتها) أي : وأن يكون قائلا بأنها جسم لطيف سار في البدن كما مر.
(وقد ذكرنا أن منهم) أي : من الحنفية (كالماتريدي وأتباعه من يقول بتجردها) أي : الروح ، (لكنه) أي : الماتريدي (نقل أثرا أنه قيل) للنبي صلىاللهعليهوسلم : (يا رسول الله كيف يوجع اللحم في القبر ولم يكن فيه روح؟ فقال : «كما يوجع سنك وإن لم يكن فيه الروح» (٢)) قال : (فأخبر أن السن يوجع لأنه متصل باللحم ، وإن لم يكن فيه الروح فكذا بعد الموت ، لما كان روحه متصلا بجسده يتوجع الجسد) وإن لم يكن الروح فيه ، وهذا الأثر الذي ساقه لوائح الوضع عليه ظاهرة.
(ولا يخفى أن مراده بالتراب أجزاؤه) أي : أجزاء الجسد (الصغار) وأنه يكفي اتصال الروح بما يحصل به إدراك الألم واللذة منها ، لا بجملتها.
(ومنهم) أي : من الحنفية (من أوجب التصديق بذلك) أي : بعذاب القبر ونعيمه (ومنع من الاشتغال بالكيفية) أي : بكيفية عود الروح والإدراك ، (بل) طريقه هو (التفويض) أي : تفويض علم كيفية ذلك (إلى الخالق عزوجل) كما هو شأن السلف رضي الله عنهم في تفويض علم ما يشكل ظاهره إليه سبحانه وتعالى (٣).
(والأصح أن الأنبياء) عليهم الصلاة والسلام (لا يسألون) في قبورهم ، (ولا أطفال المؤمنين) :
__________________
(١) لأن الاقتران بين الحياة والروح اقتران جعلي ليس ذاتيا ؛ فالله سبحانه هو الذي جعل في مستمر العادة أن تقترن حياة الأكوان بالأرواح ، وهو سبحانه القادر على بعث الحياة بدون أرواح ، طبقا لإرادته وقدرته المطلقتين.
(٢) لم نعثر على سند الحديث رغم استقصاء البحث.
(٣) التفويض : الانقياد لأمر الله تعالى وترك البحث والاعتراض فيما لا يلائم ، ويسمى أحيانا بالتسليم ، وأصله قوله تعالى : (وَالرَّاسِخُونَ فِي الْعِلْمِ يَقُولُونَ آمَنَّا بِهِ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ رَبِّنا). ومثاله : ما قاله مالك عن الاستواء ما معناه : الاستواء معلوم والكيف مجهول والسؤال عنه بدعة. وكان هذا شأن السلف.