أما الأنبياء فلأنه قد ورد أن بعض صالحي الأمة يأمن فتنة القبر بسبب عمل صالح ، كالشهيد ، ففي سنن النسائي أن رجلا قال : يا رسول الله ، ما بال المؤمنين يفتنون في قبورهم إلا الشهيد؟ قال : «كفى ببارقة السيوف على رأسه فتنة» (١) ، وكمن رابط يوما وليلة في سبيل الله ، ففي صحيح مسلم : «رباط يوم وليلة في سبيل الله خير من صيام شهر وقيامه وإن مات جرى عليه عمله الذي كان يعلمه ، وأجرى عليه رزقه وأمن من الفتان» (٢).
وإذا ثبت ذلك لبعض الأمة فالأنبياء عليهم الصلاة والسلام مع علو مقامهم المقطوع لهم بسببه بالسعادة العظمى ، ومع عصمتهم أولى بذلك.
وأما أطفال المؤمنين فلأنهم مؤمنون غير مكلفين (و) قد (اختلف في سؤال أطفال المشركين و) في (دخولهم) هل يدخلون (الجنة أو النار ، فتردد فيهم أبو حنيفة وغيره) فلم يحكموا في حقهم بسؤال ولا بعدمه ، ولا بأنهم من أهل الجنة ولا من أهل النار.
(و) قد (وردت فيهم أخبار متعارضة) بحسب الظاهر ، منها : أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن أطفال المشركين فقال : «الله إذ خلقهم أعلم بما كانوا عاملين» (٣).
ومنها : قوله صلىاللهعليهوسلم : «كل مولود يولد على الفطرة ، فأبواه يهوّدانه أو ينصرانه أو يمجسانه» الحديث (٤).
ومنها أنه صلىاللهعليهوسلم سئل عن المشركين يبيّتون فيصاب الذراري والأطفال ، فقال : «هم منهم» أو قال : «هم من آبائهم» (٥) ، والجميع في الصحيح.
ولتعارضها حصل التوقف (فالسبيل) أي : الطريق الذي ينبغي أن يسلك في حكمهم (تفويض علم أمرهم إلى الله تعالى) لأن معرفة أحوالهم في الآخرة ليست
__________________
(١) الحديث أخرجه النسائي ، في كتاب الجنائز ، باب الشهيد ، ٤ / ٩٦.
(٢) أخرجه مسلم في كتاب الإمارة ، باب فضل الرباط في سبيل الله عزوجل ، رقم ١٩١٣ عن سلمان.
(٣) أخرجه البخاري في كتاب الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين ، رقم ١٣١٩ ، وأخرجه مسلم في القدر ، برقم ٢٦٥٨.
(٤) أخرجه البخاري في الجنائز ، باب ما قيل في أولاد المشركين ، رقم ١٣١٩ ، وأخرجه مسلم في القدر ، برقم ٢٦٥٨.
(٥) الحديث أخرجه البخاري في الجهاد ، أهل الدار يبيّتون ، رقم ٢٨٥٠ ، وأخرجه مسلم في الجهاد والسير ، رقم ١٧٤٥ ، وهو مروي عن الصّعب بن جثامة.