الظواهر) أي : ظواهر كثيرة من الكتاب (١) والسنة ، فيكون على هذا من عطف العام على الخاص (لا تكاد تحصى للمستقرئ ، تفيد ذلك) أي : تفيد تلك الكثرة أن الجنة هي المعهودة التي هي دار الثواب (وتصيّرها) أي : تصير تلك الكثرة الظواهر المذكورة (قطعية) في إرادة ذلك باعتبار دلالة مجموعها ، وإن كانت دلالة آحادها أو مجموع العدد اليسير منها لا يتجاوز الظهور.
ومن الظواهر قوله تعالى : (أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللهِ وَرُسُلِهِ) (سورة الحديد : ٢١) ، وقوله تعالى : (وَلَقَدْ رَآهُ نَزْلَةً أُخْرى (١٣) عِنْدَ سِدْرَةِ الْمُنْتَهى) (سورة النجم : ١٣ إلى ١٥) ، وكحديث الإسراء (٢) ، وكحديث الكسوف (٣) ، (والإجماع من الصحابة رضي الله عنهم) فإنهم أجمعوا (على فهم ذلك) من الكتاب والسنة ، (وطريقه التتبع) أي : طريق معرفة إجماع الصحابة على فهم ذلك تتبع ما نقل من كلامهم في تفسير الآيات المذكورة والأحاديث الواردة ، فإن ذلك يفيد اتفاقهم على فهمهم من الجنة ما ذكرناه (٤).
(وقال تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) (سورة البقرة : ٣٨)) وجه الاستدلال أنه تعالى (أمر بالنزول) من الجنة (إلى) الدار (الدنيا) أي : الأرض (ولو كانت) الجنة (فيها) أي : في الدنيا (لم يقل إلا : اخرجوا) منها ؛ (وقوله تعالى) لإبليس : ((اخْرُجْ مِنْها) (سورة الأعراف : ١٨) لا يستلزم نفيه) أي : نفي كونها الجنة الموعودة التي هي دار الثواب ؛ (لأنه) أي : الخروج (يجامع الهبوط).
(ونفي الفائدة) في خلق الجنة الآن (ممنوع ؛ إذ هي دار نعيم أسكنها ((٥) الله سبحانه و (٥))) تعالى (من يوحّده ويسبحه بلا فترة) عن التوحيد والتسبيح (من الحور
__________________
(١) في (ط) : أو من الكتاب.
(٢) والحديث طويل بروايات منها : ما رواه البخاري في بدء الخلق برقم : (٣٦٧٣) ، ومسلم برقم :
(١٦٤) ، والترمذي برقم : (٣٣٤٣) وغيرهم.
(٣) حديث الكسوف رواه مسلم رقم : (٩٠٤) ، وأبو داود (١١٧٨ و ١١٧٩) ، والنسائي في الكسوف رقم : (١٤٧٨) كلهم عن جابر وفيه : «ما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه ، ولقد جيء بالنار وذلك حين رأيتموني تأخّرت ، مخافة أن يصيبني من لفحها ، ... ثم جيء بالحنة وذلك حين رأيتموني تقدّمت حتى قمت في مقامي ، ولقد مددت يدي ، فأنا أريد أن أتناول من ثمرها لتنظروا إليه ، ثم بدا لي أن لا أفعل ، فما من شيء توعدونه إلا قد رأيته في صلاتي هذه».
(٤) من ذلك ما نقله القرطبي في تفسيره «الجامع لأحكام القرآن» ٩ / ٨٩ ـ ٩٠.
(٥) سقط من (ط).