النبي هذا التصرف العام إمامة مترتبة على النبوة ، فهي داخلة في التعريف دون ما ترتبت عليه ، أعني النبوة ،
(ونصب الإمام) بعد انقراض زمن النبوة (واجب) على الأمة عندنا مطلقا ، (سمعا لا عقلا) أي : واجب من جهة السمع لا من جهة العقل (خلافا للمعتزلة) حيث قال بعضهم : واجب عقلا ، وبعضهم كالكعبي وأبي الحسين : عقلا وسمعا (١).
وأما أصل الوجوب فقد خالف فيه الخوارج فقالوا : هو جائز ، ومنهم من فصّل ، فقال فريق من هؤلاء : يجب عند الأمن دون الفتنة ، وقال فريق : بالعكس ، أي : يجب عند الفتنة دون الأمن (٢).
وأما كون الوجوب على الأمة فخالف فيه الإمامية والإسماعيلية فقالوا : لا يجب علينا ، بل يجب (٣) على الله ، تعالى عما يقولون علوا كبيرا ، إلا أن الإمامية أوجبوه عليه تعالى لحفظ قوانين الشرع عن التغيير بالزيادة والنقصان ، والإسماعيلية أوجبوه ليكون معرّفا لله وصفاته (٤).
أما عدم وجوبه عندنا على الله تعالى ، وعدم وجوبه علينا عقلا ، فقد استغنى المصنف عن الاستدلال له بما قدمه مع دليله ، من أنه لا يجب عليه تعالى شيء ، ومن أنه لا حكم للعقل في مثل ذلك.
وأما وجوبه علينا سمعا فلأنه قد تواتر إجماع المسلمين في الصدر الأول عليه ، حتى جعلوه أهم الواجبات ، وبدءوا به قبل دفن الرسول صلىاللهعليهوسلم ، واختلافهم في التعيين لا يقدح في ذلك الاتفاق. وهذا يؤخذ من كلام المصنف الآتي ، فلعله استغنى به عن الاستدلال هنا لذلك.
(والإمام الحق بعد رسول الله صلىاللهعليهوسلم) عندنا وعند المعتزلة وأكثر الفرق هو (أبو بكر) بإجماع الصحابة على مبايعته ، (ثم عمر) باستخلاف أبي بكر له ، (ثم عثمان)
__________________
(١) انظر : معالم أصول الدين ، للرازي ، ص ١٥٤ ، والمغني ، لعبد الجبار ، ٢٠ / ١٧.
(٢) انظر : المواقف ، للإيجي ، ص ٣٩٥ ، ولكن ابن حزم نص في الفصل على أنه اتفق جميع أهل السنة وجميع المرجئة وجميع المعتزلة وجميع الشيعة وجميع الخوارج على وجوب الإمامة ، ما عدا النجدات من الخوارج فإنهم قالوا : لا يلزم الناس فرض الإمامة وإنما عليهم أن يتعاطوا الحق فيما بينهم ، (انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل ، ٤ / ١٤٩)
(٣) ليست في (م).
(٤) انظر : الفصل في الملل والأهواء والنحل لابن حزم ، ٤ / ١٦٠.