والتشهير) أي : تصييره بتعدد التبليغ وكثرة المبلغين أمرا مشهورا (دون اختصاص الواحد به أو الاثنين ؛ لأنه أعني أمر الإمامة من أهم الأمور العالية) الشأن (لما يتعلق به من المصالح الدينية والدنيوية ، العامة للرجال والنساء ، الصغير والكبير) فالدينية : كتنفيذ الأحكام وإقامة الحدود وسد الثغور والجهاد لإعلاء كلمة الحق ، والدنيوية : كدفع المتغلب وتقويم الغوي (١) والأخذ للضعيف من القوي وإنكاح الأيامى والنظر في حال اليتامى وتولية القضاة والأمراء بحيث ينتظم أمر المعاش. (مع ما فيه) أي : في أمر الإمامة (من دفع ما قد يتوهم من إثارة فتنته).
فإن قيل : يحتمل أنه صلىاللهعليهوسلم بلّغه على وجه الإعلان والتشهير ، ولكن لم ينقل أو نقل ولم يشتهر فيما بعد عصره.
قلنا : الجواب ما نبه عليه بقوله : (ولو وقع كذلك) أي : لو بلغه على وجه الإعلان والتشهير (لاشتهر ، وكان سبيله أن ينقل نقل الفرائض ، لتوفر الدواعي على مثله في استمرار العادة (٢)) المطردة ، من نقل مهمات الدين المطلوب فيها الإعلان والتشهير ، فالظهور والاشتهار لازم لوجود النص (٣) ، (وإذ لم يظهر) أي : لكونه لم يظهر نص (كذلك) أي : كما هو سبيل مثله (فلا نص) لانتفاء لازمه من الظهور ، (فلا وجوب لعليّ) أي : لإمامة علي (رضي الله عنه بعده) أي : عقب وفاته صلىاللهعليهوسلم (على التعيين ، ولزم) من ذلك (بطلان ما نقلوه) يعني الشيعة من الأكاذيب ، (وسوّدوا به أوراقهم من نحو قوله) صلىاللهعليهوسلم : (لعليّ (٤) «أنت الخليفة بعدي» وكثير) مما اختلقوه ، نحو : «سلموا على علي بإمرة المؤمنين» ، وأنه قال : «هذا خليفتي عليكم» ، وأنه قال له : «أنت أخي ووصيي وخليفتي من بعدي وقاضي ديني ـ بكسر الدال ـ كذا ضبطه شارح «المواقف» (٥) الشريف ، والوجه فتحها بدليل ما رواه
__________________
(١) في (م) : السوي.
(٢) في (م) : الدواعي.
(٣) الظهور والاشتهار لازم لوجود نص وهو ما يسميه الأصوليون بعموم البلوى ، إذ كل مسألة من ضروريات الدين ؛ إلا ويتحقق فيها الظهور والاشتهار بما يعطيها صفة القطعية في الثبوت والدلالة. ومسائل الإمامة منها ؛ فلو جاء نص بتعيين إمام لاشتهر ولما اختلف فيه الصحابة.
(٤) ليست في (م).
(٥) شرح المواقف ، ٨ / ٣٦٣ ، والظاهر من عرض الشريف للحديث أن سياق كلامه يدل على تمسك المدعين وليس تمسكه ، فإيراده ليبين حجة الخصم ولم يكن ضبطه ، والحديث بهذا اللفظ في كنز العمال ١٣ / ١٤ قال : وفيه عبد الغفار بن القاسم وهو متروك.