(شروطا لاعتباره) أي : الإيمان (شرعا) ، وهو القول المقابل له ، (فينتفي أيضا لانتفائها الإيمان مع وجود التصديق بمحليه) القلب واللسان ، إذ الشرط يلزم من عدمه عدم المشروط (ولا يمكن اعتبارها) شرعا (شروطا لثبوت اللازم الشرعي فقط (١)) أي : دون ملزومه وهو الإيمان ، (فينتفي) أي : فيتفرع على اعتبارها شروطا للازم دون الملزوم انتفاء ذلك اللازم (عند انتفائها ، مع قيام الإيمان) الملزوم ؛ (لأن الفرض أن عند انتفائها) أي : انتفاء تلك الأمور (يثبت ضد لازم الإيمان وهو لازم الكفر على ما ذكرناه) فيما سبق ، (فيثبت ملزومه وهو الكفر) إذ الملزومان إذا تضادا ولم يكن بينهما واسطة يلزم من ثبوت كل منهما ثبوت لازمه ومن انتفاء كل منهما ثبوت ضده المستلزم لثبوت لازم ذلك الضد (٢).
(واعلم أن الاستدلال) الذي به يكتسب التصديق القلبي (ليس شرطا لصحة الإيمان على المذهب المختار) الذي عليه الفقهاء وكثير من العلماء ، (حتى صححوا إيمان المقلد ، ومنعه كثير) وهم المعتزلة ، كذا في «العمدة» و «البداية» (٣) وغيرهما ، ونقل المنع عن الشيخ أبي الحسن الأشعري ، فقال الأستاذ أبو القاسم القشيري : إنه افتراء عليه (٤).
وقد أشار المصنف إلى تحرير محل النزاع بقوله : (وقلّ أن يرى مقلد في الإيمان بالله تعالى ، إذ كلام العوام في الأسواق محشو بالاستدلال بالحوادث) أي : بحدوثها (عليه) أي : على وجوده تعالى ، (وعلى صفاته) من العلم والإرادة والقدرة وغيرها ، (والتقليد مثلا هو أن يسمع الناس يقولون : إن للخلق ربا خلقهم وخلق كل شيء ويستحق العبادة عليهم وحده لا شريك له فيجزم بذلك ، لجزمه بصحة إدراك هؤلاء تحسينا لظنه بهم ، وتكبيرا) بالموحدة أي تعظيما ، (لشأنهم عن الخطأ) لكثرتهم وتوافقهم على ذلك مع رصانة عقولهم.
(فإذا حصل عن ذلك جزم لا يجوز معه كون الواقع النقيض) أي : نقيض ما أخبروا به ، (فقد قام) المكلف الذي حصل له ذلك الجزم (بالواجب من الإيمان)
__________________
(١) في (م) : فسقط.
(٢) الملزومان إذا تضادّا ولم يكن بينهما واسطة ، وجب وجود أحدهما وانتفاء الآخر ، كالتلازم بين وجود النهار في مكان وعدم وجود الليل ، وكالتلازم بين وجود الشك وانتفاء نقيضه.
(٣) انظر : العمدة ، ص ٢٣ ، والبداية ، للصابوني ، ص ١٥٤.
(٤) انظر : أصول الدين ، للبغدادي ، ص ٢٥٥ ، وتبيين كذب المفتري ، لابن عساكر ، ص ٣٥٧.