بمخلوق ، كما أن من قرأ القرآن قرأ كلام الله الذي ليس بمخلوق ؛ لأنه) أي : الشأن (بقراءة ما نظمه الغير) أي : ألف نظمه الخاص من خطبة أو شعر (لا تنقطع) بتلك القراءة (النسبة) أي : نسبه ذلك النظم المقروء (إليه) أي : إلى الناظم ، خطبة كان أو غيرها (بل يقال : قال) فلان (خطبة فلان ، و) قال : (شعره) فتنسب الخطبة إلى منشئها والشعر إلى ناظمه ، (و) يقال (لمن تكلم بكلام) جيد مثلا ولم ينسبه لقائله (هذا ليس كلامه وإنما هو كلام فلان) أي : الذي تكلم به أولا ، (مع أنه) أي : قائله الثاني هو (المتكلم به الآن).
(قال بعضهم) أي : بعض من تمسك بما ذكر للقول بأن الإيمان غير مخلوق (يقال : فلان تلا كلام فلان إذا قرأ منظومه الدال على كلامه ، فمن قرأ هذا المنظوم الدال على كلام الله تعالى يصير قارئا لكلام الله تعالى حقيقة لا مجازا ؛ لأن تلاوة الكلام لا تكون إلا هكذا) أي : بأن يقرأ المنظوم الدال على كلامه.
(هذا) الذي ذكرناه في توجيه القول بأن الإيمان غير مخلوق هو (غاية متمسكهم وجهلهم مشايخ سمرقند) أي : نسب مشايخ سمرقند مخالفيهم البخاريين ومن تبعهم إلى الجهل ، إذ الإيمان بالوفاق من فريقهم هو التصديق بالجنان والإقرار باللسان ، وكل منهما فعل من أفعال العباد ، وأفعال العباد مخلوقة لله تعالى بالوفاق من أهل السنة.
(وقد ذكروا) يعني الحنفية البخاريين وغيرهم (في الفقه) ما هو إلزام لهم ببطلان متمسكهم وهو : (أن مثل : (الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ (٢) الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ (٣)) (سورة الفاتحة : ٢ ـ ٣) إلى آخر الفاتحة إذا لم يقصد به قراءة القرآن جاز للجنب قراءته ، وهو) أي : الجنب (ممنوع من قراءة القرآن (١) ، فظهر) بهذا الذي ذكروه في الفقه (أن ما وافق لفظه لفظ القرآن إذا لم يقصد به القرآن لا يكون قرآنا هو كلام الله تعالى) فبطل ما تمسكوا به.
ولإبطاله وجه آخر : (و) هو أنه يلزم (أيضا كون كل ذاكر) لله (من القائل :
__________________
(١) انظر : بداية المجتهد ونهاية المقتصد لابن رشد ، ١ / ٤٩ ، وهذا الرأي عليه جمهور العلماء ، وذهب قوم إلى إباحته مستدلين بالاحتمال المتطرق إلى حديث علي أنه قال : «كان عليهالسلام لا يمنعه من قراءة القرآن شيء إلا الجنابة». وقالوا : إن هذا لا يوجب شيئا ، لأنه ظن من الراوي ، والجمهور رأوا أنه لم يكن علي رضي الله عنه ليقول هذا عن توهم ولا ظن ، وإنما قاله عن تحقق. والله أعلم.