معناه فظاهر) أن ما قام به حادث ، (إذ الأول) وهو التلفظ المراد به معناه المصدري (أمر اعتباري) لا حقيقي ، والاعتباري (١) حادث لأنه مسبوق بما يعتبر به ، (والثاني) وهو الملفوظ (معلوم كون العدم سابقا عليه ولاحقا له) وكل ما سبقه العدم فهو حادث ، وكل ما لحقه العدم كذلك ، لأن ما ثبت قدمه استحال عدمه كما مر أوائل الكتاب ، (وإن كان) القارئ (متدبرا) لما يتلو (فإنما يحدث في نفسه صور معاني النظم) أي : نظم القرآن ، (وغايتها أن تدل على) المعنى (القائم بذات الله تعالى ؛ للقطع بأنها) أي : الصور الحادثة في نفس القارئ المتدبر (ليست عين) المعنى (القائم بذاته) تعالى ، (إذ لا يتصور انفكاك ذلك) المعنى القائم بالذات المقدسة عن الذات ، (ثم شتان) أي : افترق (ما بين الصفتين في النوع) لأن كلا منهما من نوع سوى نوع الآخر ، (فإن القائم بذات الله تعالى الذي هو المدلول لفعل القارئ صفة الكلام النفسي) فقوله : «الذي» في محل نصب نعت ل «القائم» وقوله : «صفة الكلام» خبر لأن (والقائم بنفس القارئ) هو (صفة العلم بتلك المعاني النظمية لا) صفة (الكلام ، أرأيت قارئ : (أَقِيمُوا الصَّلاةَ) (سورة البقرة : ٤٣)) هل (قام بنفسه طلبها؟) أي : الصلاة أو إقامتها ، أي : الإتيان بها قويمة لا خلل في أركانها؟ كلا! لا شك في أنه لم يقم به طلبها (من المكلفين) إنما قام به علم بأن الله تعالى طلبها من المكلفين ، (وكذا كل ناقل كلام الغير من أمره) أي : من أمر ذلك الغير (ونهيه وخبره ، لم يقم بنفسه منه كلام ، بل علم) بأن ذلك الغير أمر أو نهي أو خبر.
(فإن قيل : فكيف قال أهل السنة : القراءة حادثة أعني) بالقراءة (أصوات القارئ المكتسبة) له ، (ولذا) أي : ولكونها حادثة مكتسبة (يؤمر بها) أي : بإيجادها (تارة) كما في الصلاة ؛ أمر إيجاب كقراءة الفاتحة ؛ أو أمر ندب كالسورة معها (وينهى عنها أخرى) كما في حالتي الجنابة والحيض ، (وكذا الكتابة) وهي إيجاد الكاتب صور الحروف وتأليفها حادثة ، ولذا يؤمر بها تارة ؛ كما في كتابة
__________________
(١) الاعتبار : مأخوذ من العبور والمجازة من شيء إلى شيء ، ولهذا سميت العبرة عبرة والمعبر معبرا واللفظ عبارة. والاعتبار اصطلاحا عند المحدثين : أن تأتي إلى حديث لبعض الرواة فتعتبره بروايات غيره من الرواة لسير الحديث ، لتعرف هل شاركه فيه غيره ، وعند النظار : هو التدبر وقياس ما غاب على ما حضر ، أو النظر في حقائق الأشياء وجهات دلالتها ليعرف بالنظر فيها شيء آخر من جنسها. والاعتبار يطلق تارة ويراد به مقابل الواقع ؛ هذا أمر اعتباري أي : ليس بثابت في الواقع ، وقد يطلق ويراد به ما يقابل الموجود والخارجي أي : اعتبار الشيء الثابت في الواقع ، والاعتبار هنا في مراد الشارح : ما يقابل الموجود الخارجي.