لكن قوله : «ما عليها» يشمل معرفة وجوب الواجبات الفرعية وتحريم المحرمات الفرعية ، فأخرجها بقوله : «من العقائد المنسوبة إلى دين الإسلام». والإضافة فيه بيانية ، وسيأتي بيان معنى الإسلام في الخاتمة (١).
ثم إن كان المراد ب «ما عليها» : ما طلب طلبا جازما ، أي : ما هو واجب أو محرم عليها ، فيخرج به معرفة ندب المندوبات ، وكراهة المكروهات ، وإن كان المراد به : ما طلب منها فعلا أو تركا طلبا جازما أو غير جازم ، فيخرج معرفة الندب والكراهة أيضا بقوله : «من العقائد».
و «الأدلة» : جمع دليل ، وهو : ما يمكن التوصل بصحيح النظر فيه إلى مطلوب خبري.
واعتبار «الإمكان» ليتناول التعريف ما قبل النظر ، إذ الدليل دليل قبل أن ينظر فيه. و «الصحيح» وهو النظر من جهة الدلالة ، احتراز عن الفاسد إذ لا عبرة به ، وإن اتفق أن يفضي إلى مطلوب. والتقييد ب «الخبري» احتراز عن «المعرّف» ؛ لأنه إنما يفيد مطلوبا تصوريا (٢).
وقوله : «عن الأدلة» متعلق بقوله : «معرفة» أي : معرفة ما ذكر ، الناشئة عن الأدلة ، وهو صريح في أن التقليد غير كاف في العقائد.
واعلم أن انتقال النفس في المعاني انتقالا بالقصد ، ويسمى الفكر ، قد يكون لطلب علم أو ظن فيسمى نظرا ، وقد لا يكون لذلك ومنه أكثر حديث النفس.
فمعرفة مسائل الاعتقاد كحدوث العالم ووجود الباري وما يجب له وما يمتنع عليه عن أدلتها فرض عين على كل مكلف ، فيجب النظر ، ولا يجوز التقليد ، وهذا هو الذي رجحه الإمام الرازي والآمدي (٣).
والمراد النظر بدليل إجمالي ، أما النظر بدليل تفصيلي يتمكن معه من إزاحة الشبه وإلزام المنكرين ، وإرشاد المسترشدين ، ففرض كفاية في حق المتأهلين له ،
__________________
(١) في ص : ٣٥١.
(٢) المعرّف : هو الطريق الكلامي الموصل إلى تصور شيء عن شيء أو معنى من معاني يسمى أيضا بالقول الشارح ، فمطلوبه يكون حصول صورته في الذهن ولذا سمي مطلوبا تصوريا ، وينقسم المعرف إلى الحد والرسم.
(٣) انظر : محصل أفكار المتقدمين والمتأخرين للرازي ، ص ٦١ ـ ٦٢. وغاية المرام ، للآمدي ، ص ٣٢٣.