(فمن أدار نظره في عجائب تلك (١) المذكورات) من خلق الأرضين والسماوات ، وبدائع فطرة الحيوان والنبات وسائر ما اشتملت عليه الآيات (اضطرّه) ذلك (إلى الحكم بأنّ هذه الأمور مع هذا الترتيب المحكم الغريب لا يستغني كلّ) منها (عن صانع أوجده) من العدم (وحكيم رتّبه) على قانون أودع فيه فنونا من الحكم.
(وعلى هذا درجت كلّ العقلاء إلّا من لا عبرة بمكابرته) وهم بعض الدهرية (٢) (وإنّما كفروا بالإشراك) حيث دعوا مع الله إلها آخر (ونسبة) أي : وبنسبة (بعض الحوادث إلى غيره تعالى ، وإنكار) أي : وبإنكار (ما جعل الله سبحانه إنكاره كفرا ؛ كالبعث وإحياء الموتى) ومثّل المصنف الذين أشركوا بقوله : (كالمجوس بالنسبة إلى النار) حيث عبدوها فدعوها إلها آخر ، تعالى الله ((٣) عن ذلك (٣)) (والوثنيّين بالأصنام) أي : بسببها ، فإنهم عبدوها (والصابئة بالكواكب) أي : بسبب الكواكب ، حيث عبدوها من دون الله تعالى.
وأما نسبة بعض الحوادث إلى غيره تعالى فالمجوس ينسبون الشر إلى «أهرمن» (٤) ، والوثنيون ينسبون بعض الآثار إلى الأصنام ، كما أخبر الله تعالى عنهم بقوله : (إِنْ نَقُولُ إِلَّا اعْتَراكَ بَعْضُ آلِهَتِنا بِسُوءٍ) (سورة هود : ٥٤) ، والصابئون (٥) ينسبون بعض الآثار إلى الكواكب ، تعالى الله عما يشركون.
__________________
(١) في (م) : هذه.
(٢) الدهرية : هم صنف من العرب أنكروا الخالق والبعث والإعادة وقالوا بالطبع المحيي والدهر المفني ، هم الذين قال فيهم الله تعالى : (وَقالُوا ما هِيَ إِلَّا حَياتُنَا الدُّنْيا نَمُوتُ وَنَحْيا) [الجاثية : ٢٤] ، وقال فيهم : (وَما يُهْلِكُنا إِلَّا الدَّهْرُ) [الجاثية : ٢٤] ، وقد نسبوا الخلق إلى الطبائع المحسوسة ، وقصروا الحياة والموت على تركب الأبدان وتحللها ، (الملل والنحل ، ص ٤٩٠).
(٣) سقط من (م).
(٤) أهرمن : إله الشر عند التنوية ؛ الفرقة المنسوبة للقائلين بإلهية النور والظلام وهم المجوس ، والمنسوبون إلى ماني ابن فتق بن بابك وكذا أتباع مزدك ، وقد زعموا أن العالم مركب من أصلين قديمين أحدهما النور والآخر الظلمة ، وسموا ثنوية لقولهم باثنين أزليين. انظر : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين ، للرازي ، ص ١٣٨.
(٥) الصابئة : ويقال لهم الصبائية والصابئون ، والصابي هو التارك لدينه الذي شرع له إلى دين غيره ، وسموا بذلك لأنهم فارقوا دين التوحيد وعبدوا النجوم وعظموها ، ومع هذا فإنهم يقرون بالصانع وبالمعاد وببعض الأنبياء ، وقد سموا أوثانهم بأسماء الكواكب ؛ كالمشتري وزحل والمريخ ... ويزعمون أن نفوس العظماء من الموتى هي واسطة بين الله وبين خلقه ، ويروى أن أول من اتخذ