(واعترف الكلّ بأنّ خلق السماوات والأرض والألوهية الأصلية لله تعالى ، قال تعالى : (وَلَئِنْ سَأَلْتَهُمْ مَنْ خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ لَيَقُولُنَ) (سورة الزمر : ٣٨) فهذا) أي : الاعتراف بما ذكر (كان) ثابتا (في فطرهم) من مبدإ خلقهم ، قد جبلت عليه عقولهم ، قال الله تعالى : (فَأَقِمْ وَجْهَكَ لِلدِّينِ حَنِيفاً فِطْرَتَ اللهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْها لا تَبْدِيلَ لِخَلْقِ اللهِ ذلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ) (سورة الروم : ٣٠) (ولذا) أي : لكون الاعتراف بما ذكر ثابتا في فطرهم (كان المسموع من الأنبياء) المبعوثين عليهم أفضل الصلاة والسلام (دعوة الخلق إلى التوحيد) والمراد به هنا : اعتقاد عدم الشريك في الألوهية وخواصها ؛ كتدبير العالم ، واستحقاق العبادة ، وخلق الأجسام ، بدليل أنه بيّن التوحيد بقوله : (شهادة أنّ لا إله إلّا الله دون أن يشهدوا أنّ للخلق إلها) لما مرّ من أن ذلك كان ثابتا في فطرهم ، ففي فطرة الإنسان وشهادة آيات القرآن ما يغني عن إقامة البرهان.
(و) لكن (قد رتّب العلماء النظّار) على سبيل الاستظهار (لإثباته) أي :
لإثبات وجود الباري تعالى بدليل العقل (مقدّمتين) فاقتفاهم حجة الاسلام ، ثم شيخنا المصنف.
والمقدمتان هما : قولهم : (العالم) أي : ما سوى الله تعالى من الموجودات (حادث ، والحادث) وهو ما كان معدوما ثم وجد أي : الممكن (لا يستغني عن سبب يحدثه) أي : يرجح وجوده على عدمه.
(أمّا) المقدمة (الثانية) وهي قولهم : «الحادث لا يستغني عن سبب يحدثه» (فضروريّة) ومعلوم أن الضروري لا يستدل لإثباته ولكن ينبّه عليه (١) ، (و) قد (نبّه عليها بأنّ اختصاص حدوث الحادث بوقت دون ما قبله) أي : ما قبل ذلك الوقت من الأوقات ، (و) دون (ما بعده) منها (مفتقر بالضرورة إلى مخصّص) لأن كلّا من تقدّمه على ذلك الوقت وتأخّره عنه ووقوعه فيه أمر ممكن ، فلا بدّ من مرجّح
__________________
صورا للعظماء ودعا للسجود لها هو : نينوس بن نمرود بن نوح. انظر : اعتقادات فرق المسلمين والمشركين. ص ١٤٣.
(١) الضروري هو الذي لا يحتاج الذهن فيه إلى طلب الدليل ، وإنما يلتقطه بالبداهة ، ويشترك في معرفته الخاص والعام ، كإدراك وجود ذواتنا ، وإدراكنا للحرارة والبرودة ...