لوقوعه في ذلك الوقت على تقدمه عليه وتأخره عنه ؛ لأن «الترجّح من غير مرجّح محال».
(وأمّا) المقدمة (الأولى) وهي قولهم : «العالم حادث» فاعلم أولا أن العالم كما سيأتي جواهر وأعراض.
فالجوهر : «ما له قيام بذاته» بمعنى أنه لا يفتقر إلى محل يقوم به ، والعرض : «ما يفتقر إلى محل يقوم به» وقد يعبّر بعضهم بدل «الجواهر» ب «الأجسام» ، وعليه جرى المصنف ، وهما في اللغة بمعنى ، وإن كان الجسم أخص من الجوهر اصطلاحا ؛ لأنه المؤلّف (من جوهرين أو أكثر ؛ على الخلاف في أقل ما يتركب منه الجسم ، على ما بيّن في المطوّلات ، والجوهر يصدق بغير المؤلّف وبالمؤلف) ، إذا تقرر ذلك فاعلم أنّ المصنّف قد استدلّ كغيره لإثبات المقدمة الأولى بحدوث الأعراض.
واستدل على حدوثها بوجهين :
نبّه على الأول منهما بقوله : (فالأعراض ظاهرة الافتقار) ، أي : إلى المخصّص بوقت حدوثها دون ما قبله وما بعده كما مر.
ونبّه على الثاني منهما مع تضمينه حدوث الأجسام بقوله : (وهي أيضا قائمة بالجسم) مفتقرة في تحققها إليه ، (فإذا ثبت حدوثه ثبت حدوثها) لتوقف وجودها على وجوده (ويدلّ على حدوث الأجسام أنّها لا تخلو عن الحركة والسكون ، وهما حادثان ، وما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث)
فهذه ثلاث دعاوى :
(أمّا الأولى): وهي أن الأجسام لا تخلو عن الحركة والسكون (فظاهرة.) لأن من عقل جسما لا ساكنا ولا متحركا كان عن نهج العقل ناكبا ، ولمتن الجهل راكبا ، هذه عبارة حجة الإسلام المأخوذ معناها من «الرسالة النظامية» لشيخه إمام الحرمين (١).
(وأمّا) الدعوى (الثانية): وهي أن الحركة والسكون حادثان فقد استدل عليها المصنف بطريقين :
أشار إلى الأول منهما بقوله : (فما شوهد من تعاقبهما) أي : كون كل منهما
__________________
(١) انظر : الرسالة النظامية ، للجويني ، ص ١٦.