يعقب الآخر ، أي : يخلفه في محله عند ذهابه (و) من (انقضائهما) أي : ذهابهما ، والمراد ذهاب كل منهما عند وجود الآخر (مشاهد فيه) أي : في ذلك التعاقب والانقضاء (حدوث كلّ منهما بعد عدمه ، وما لم يشاهد) من الأجسام (إلّا ساكنا ؛ كالجبال مثلا ، يجوز عليه الحركة بزلزلة مثلا وغيرها). وقوله : «وغيرها» يغني عن قوله : «مثلا» والعكس. (وكذا) يجوز عقلا (قلبه) أي : قلب الجبل المدلول عليه بقوله : «الجبال» (ذهبا ونحوه) كفضة أو نحاس أو حديد (وتجويزه) أي : تجويز ما ذكر من الحركة والقلب (تجويز عروض الحوادث) على محلها (ومحلّ الحوادث حادث ، على ما نبيّن) في إثبات الدعوى الثالثة.
وأشار إلى الطريق الثاني بقوله : (ولأنّ السابق) فقوله : «ولأن» : عطف على قوله : «فما شوهد» إذ التقدير : وأما الثانية وهي حدوث الحركة والسكون فلأن ما شوهد .. الخ ، ولأن السابق أي : من الحركة والسكون (لو ثبت قدمه استحال عدمه ، على ما نبيّن في بيان وجوب بقاء الباري ـ جلّ ذكره ـ) في الأصل الثالث من أن وجود القديم مقتضى ذاته ، فلا يتخلف عنها (وتجويز طريان الضّدّ) ((١) على محلّ هو (٢)) (تجويز العدم) على ضده الذي كان بذلك المحل أولا ، ضرورة أن الضدين يمتنع عقلا اجتماعهما بمحل ، فالتجويز المذكور باعتبار النظر إلى الضد الطارئ تجويز الطريان ، وبالنظر إلى ضده هو تجويز العدم على هذا الضد ، والأولى أن تجويز الطريان يستلزم تجويز العدم لا أنه هو.
(وأمّا) الدعوى (الثالثة) وهي : «أن ما لا يخلو عن الحوادث فهو حادث» (فلو لم يكن) أي : فبرهانها أنه لو لم يكن (كذلك لكان قبل كلّ حادث حوادث ، لا أوّل لها ، مترتبة كما تقول الفلاسفة في دورات الأفلاك) أي : حركاتها اليومية (٣) (فما لم ينقض ما لا أوّل له من الحوادث لم تنته النوبة إلى وجود الحادث الحاضر) لأن الحركة اليومية المعيّنة مشروط وجودها بانقضاء ما قبلها ، وكذلك الحركة التي قبلها مشروطة بمثل ذلك ، وهلمّ جرا (وانقضاء ما لا أوّل له محال ؛ لأنّك إذا لاحظت الحادث الحاضر ثمّ انتقلت إلى ما قبله) فلاحظته (وهلمّ جرّا
__________________
(١) سقط من (م).
(٢) سقط من (م).
(٣) وهو تعريف الزمان عندهم ، وأحيانا يعبرون بأنه حركة الأجرام السماوية ، وأحيانا بمقدار الفلك الأعظم كما هو عند أرسطو أو مقدار حركة الفلك كما عند الجرجاني ، أما المتكلمون فإنهم يعرفون الزمان بأنه عبارة عن متجدد معلوم يقدر فيه متجدد آخر موهوم.