وأشار بقوله : «من غير مقابلة بجهة» إلى دفع قول المعتزلة كالحكماء : إن من شرائط الرؤية مقابلة المرئي للباصرة في جهة من الجهات.
وبقوله : «معها مسافة خاصة» إلى رد قولهم : إن من شرائط الرؤية عدم غاية البعد ، بحيث ينقطع إدراك الباصرة ، وعدم غاية القرب فإن المبصر إذا التصق بسطح البصر بطل إدراكه بالكلية ، ولذا لا يرى باطن الأجفان.
وأشار بقوله : «وإحاطة بمجموع المرئي» إلى نفي كون الرؤية تستلزم الإحاطة بالمرئي لتكون ممتنعة في حقه تعالى ؛ لأنه لا يحاط به (١) ، قال تعالى : (وَلا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْماً) (سورة طه : ١١٠).
والحاصل أنه يجوز عقلا أن يخلق القدر المذكور من العلم في الحي على وفق مشيئته تعالى من غير مقابلة لجهة ... إلخ.
وعبّر بقول : «بمجموع» تنبيها على أنه إذا ثبت أن المجموع المركب من أجزاء متناهية يرى دون إحاطة فالذات المنزهة عن التركب والتناهي والحد والجهة أولى بأن تنفك رؤيتها عن الإحاطة.
وقد استدل المصنف لجواز الرؤية من غير مقابلة ، و ((٢) لجوازها من غير (٢)) إحاطة بوقوع أمور ثلاثة : الأول والثالث منها لجوازها دون مقابلة ، والثاني لجوازها من غير إحاطة.
فالأول :
ما تضمنه قوله : (كما قد يخلقه) والجار والمجرور في موضع الحال من المفعول وهو قوله : «هذا القدر من العلم» أي : جاز أن يخلقه دون أن ينقص منه قدر من الإدراك من غير مقابلة مشبها ما قد يخلقه تعالى لمن يشاء (من غير مقابلة لهذه الحاسة) أي : البصر (أصلا ، كما) وقع لنبيه عليه الصلاة والسلام فقد (روي عنه صلىاللهعليهوسلم أنه قال لهم) أي : للصحابة المصلين معه («سوّوا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري» (٣)) وهو في الصحيحين من حديث أنس بلفظ : «أتموا صفوفكم فإني أراكم من وراء ظهري» ، وللبخاري عن أنس : أقيمت الصلاة فأقبل علينا رسول
__________________
(١) لأن الإحاطة تستلزم التحيز الذي يعتبر من خصائص المحدثات.
(٢) سقط من (م).
(٣) رواه البخاري برقم : (٦٨٦) ، ومسلم برقم : (٤٣٣ ـ ٤٣٤) ، وأبو داود برقم : (٦٦٧ ـ ٦٧١) ، والنسائي في الإمامة (٢ / ٩١) رقم : (٨١٢).