العقل خلافه لم يكن) ذلك الفرض (فرض محال ؛) لأن تلك الأمور العادية ممكنة في ذواتها ، والممكن لا يستلزم في شيء من طرفيه محالا ، (وذلك) الاحتمال بهذا المعنى (لا يوجب عدم الجزم المطابق) للواقع (بأن الواقع الآن خلاف ذلك الممكن فرضه) ؛ لأن الاحتمال المنافي لهذا الجزم هو أن يكون متعلق التمييز محتملا لأن يحكم فيه المميز بنقيضه في الحال ؛ كما في الظن ، أو في المآل ؛ كما في الجهل المركب والتقليد ، ومنشؤه ضعف ذلك التمييز ؛ إما لعدم الجزم أو لعدم المطابقة أو لعدم استناده إلى موجب ، وهذا الاحتمال هو المراد في التعريف لا الاحتمال بالمعنى الأول.
(فأثبتوا فيه) أي : في العلم العادي (ثبوت الجزم والمطابقة) للواقع (والموجب) و (أعني) بالموجب (١) (العادة القاضية التي لم يوجد قط خرمها) وهي أحد أقسام الموجب في قولهم في تعريف العلم : إنه حكم الذهن الجازم المطابق للواقع لموجب إذ الموجب الذي يستند إليه الجزم ؛ إما حس أو عقل أو عادة ، (وذلك) أي : ما ثبت فيه الجزم والمطابقة والموجب (هو معنى العلم القطعيّ بأن الواقع كذا ، فيحصل) أي : فبسبب العادة التي لم يوجد قط خرمها يحصل (لنا العلم القطعيّ بأن الواقع الفساد على تقدير تعدد الآلهة ؛ لأن العادة المستمرة التي لم يعهد قط اختلالها في ملكين مقتدرين في مدينة واحدة عدم الإقامة على موافقة كلّ للآخر في كل جليل وحقير) من الأمور ، (بل تأبى نفس كل) منهما دوام الموافقة ، (وتطلب الانفراد بالمملكة والقهر) للآخر ، (فكيف بالإلهين؟ والإله) أي : والحال أن الإله (يوصف بأقصى غايات التكبر ، كيف لا تطلب نفسه الانفراد بالملك والعلو على الآخر ، كما أخبر الله سبحانه بقوله : (وَلَعَلا بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ) (سورة المؤمنون : ٩١) هذا) أمر (إذا تؤمّل لا تكاد النفس تخطر) للمتأمل (نقيضه) أصلا ، (فضلا عن إخطار فرضه) أي : فرض النقيض (مع الجزم بأن الواقع هو) الطرف (الآخر ، وعلى هذا التقدير هو علم قطعيّ) لا تردد فيه بوجه ، (وإنما غلط من قال غير هذا) بأن قال : إن الآية حجة إقناعية (من قبل) أي : من جهة (أنه إذا أخطر) بباله (النقيض ، أعني : دوام اتفاقهما لم يجده مستحيلا في العقل ، وينسى)
__________________
(١) الموجب عند المتكلمين : هو الواجب في ذاته وفي صفاته ؛ أي لا يحتاج فيهما إلى علة ، ولا يقبل العدم ، وهو موجد الممكن الذي يحتاج إلى علة ، أما هنا فالقصد يتجه إلى أن الموجب هو الدليل الذي يتوصل به بصحيح النظر إلى الحقيقة ؛ وهو إما دليل عقلي أو حسي أو عادي.