ما ذكرناه فيما مر آنفا من (أنه لم يؤخذ في مفهوم العلم القطعي استحالة النقيض ، بل) المأخوذ فيه (مجرد الجزم) الكائن (عن موجب بأن) الطرف (الآخر) المقابل للنقيض (هو الواقع ، وإن كان نقيضه لم يستحلّ وقوعه) ، وبهذا يظهر أن الآية حجة برهانية تحقيقية لا إقناعية (والله سبحانه الموفق) للصواب.
(وعن ظهور دخوله في العلم بما ذكرنا) أي : بسبب ما قررناه آنفا نشأ (أن كفّر بعض الناس القائل بأن الملازمة إقناعية أو ظنية ونحوه) فإن بعض معاصري المولى سعد الدين ، وهو الشيخ عبد اللطيف الكرماني (١) قد صدر منه تشنيع بليغ على قوله في «شرح العقائد» (٢) أن الآية حجة إقناعية والملازمة عادية أي : لا عقلية ، والمعتبر في البرهان الملازمة العقلية (٣) ، واستند هذا المعاصر في تشنيعه إلى أن صاحب «التبصرة» (٤) كفّر أبا هاشم (٥) بقدحه في دلالة الآية ، وما تقدم من كلام شيخنا المصنف يفيد منع كون الملازمة العادية غير معتبرة في البرهان ، ودعوى اعتبارها ووجهه أن المقصود من البرهان حصول العلم بالمدلول والملازمة العادية تحصله.
واعلم أن العلّامة المحقق الزاهد علاء الدين محمد بن محمد بن محمد البخاري الحنفي (٦) ، تلميذ المولى سعد الدين قدّس الله تعالى سرهما قد أجاب
__________________
(١) عبد اللطيف الكرماني : بكسر الكاف ؛ الحنفي ، فاضل له تصانيف في دلالة التمانع ، وشرح البيان للطيبي ، من أبناء القرن التاسع الهجري ، وهو معاصر للتفتازاني. (الضوء اللامع ، للسخاوي ، ٤ / ١٤٠ ، ومعجم المؤلفين ، ٢ / ٢١٧)
(٢) انظر : ١ / ٨٩.
(٣) الملازمة العقلية : نوع من أنواع الإدراك المباشر يلاحظ بها الناظر وجود اقتران بين قضيتين اقترانا غير منفك في الوجود أو العدم ، ، وهذا الاقتران يدرك بداهة.
(٤) هو ميمون النسفي : ميمون بن محمد بن محمد بن معبد بن مكحول ، أبو المعين ، عالم بالأصول والكلام ، كان بسمرقند وسكن بخارى ، توفي سنة ٥٠٨ ه ، من مؤلفاته : بحر الكلام ، وتبصرة الأدلة ، وغيرهما.
انظر ترجمته في : الجواهر المضيئة ، ٢ / ١٨٩. ونص التكفير : فلما انتهت نوبة رئاسة المعتزلة إلى أبي هاشم فزعم أن لا دلالة في العقل على وحدانية الصانع ... ومن وصف الله تعالى بالجهل أو السفه فقد كفر به من ساعته. في تبصرة الأدلة ، ص ٨٥ ـ ٨٦.
(٥) أبو هاشم الجبائي : عبد السلام بن محمد بن عبد الوهاب الجبائي ، من أبناء أبان مولى عثمان بن عفان ، المتكلم المعتزلي المشهور ، كان وأبوه من كبار المعتزلة ، توفي سنة ٣٢١ ه ببغداد ، والجبائي نسبة إلى قرية من قرى البصرة. (وفيات الأعيان ، ٣ / ١٨٣)
(٦) سبقت ترجمته في ص ٧٨.