عن الاعتراض والتكفير بما رأيت أن أسوقه بلفظه لاشتماله على فوائد :
قال رحمهالله تعالى : «الإفاضة في الجواب على وجه يرشد إلى الصواب يتوقف على ما أورده الإمام حجة الإسلام رحمهالله ، مما حاصله أن الأدلة على وجود الصانع وتوحيده تجري مجرى الأدوية التي يعالج بها مرض القلب ، والطبيب إن لم يكن حاذقا مستعملا للأدوية على قدر قوة الطبيعة وضعفها كان إفساده أكثر من إصلاحه ، كذلك الإرشاد بالأدلة إلى الهداية إذا لم يكن على قدر إدراك العقول كان الإفساد للعقائد بالأدلة أكثر من إصلاحها ، وحينئذ يجب أن لا يكون طريق (١) الإرشاد لكل أحد على وتيرة واحدة ، فالمؤمن المصدق سماعا أو تقليدا لا ينبغي أن تحرك عقيدته بتحرير الأدلة ، فإن النبي صلىاللهعليهوسلم لم يطالب العرب في مخاطبته إياهم بأكثر من التصديق ، ولم يفرق بين أن يكون ذلك بإيمان وعقد تقليدي أو بيقين برهاني.
والجافي الغليظ الضعيف العقل الجامد على التقليد المصرّ على الباطل لا تنفع معه الحجة والبرهان ، وإنما ينفع معه السيف والسنان.
والشاكون الذين فيهم نوع ذكاء ولا تصل عقولهم إلى فهم البرهان العقلي المفيد للقطع واليقين ينبغي أن يتلطّف في معالجتهم بما أمكن من الكلام المقنع المقبول عندهم ، لا بالأدلة اليقينية البرهانية ، لقصور عقولهم عن إدراكها ؛ لأن الاهتداء بنور العقل المجرد عن الأمور العادية لا يخص الله تعالى به إلا الآحاد من عباده ، والغالب على الخلق القصور والجهل ، فهم لقصورهم لا يدركون براهين العقول كما لا تدرك نور الشمس أبصار الخفافيش ، بل تضرهم الأدلة القطعية البرهانية كما تضر رياح الورد للجعل (٢) وفي مثل هذا قيل :
فمن منح الجهال علما أضاعه |
|
ومن منع المستوجبين فقد ظلم |
وأما الفطن الذي لا يقنعه الكلام الخطابي فتجب المحاجة معه بالدليل القطعي البرهاني.
__________________
(١) ليست في (م).
(٢) في لسان العرب «الجعل» بفتح الجيم وتسكين العين : قصار النخل ، والنخل أيضا ، والجعل بفتح الجيم والعين : القصر مع السّمن ، واللّجاج أيضا ، والجعل بضم الجيم وفتح العين : دابة سوداء من دواب الأرض ، والجعل ، بضم الجيم وتسكين العين ، ما وضع على عمله ، (لسان العرب ، ٢ / ٣٠٠ مادة جعل).