والجواب : إن إخبار الله تعالى لا يتصف أزلا بالماضي والحال والمستقبل لعدم الزمان ، وإنما يتصف بذلك فيما لا يزال بحسب التعلقات ، فيقال : قام بذات الله تعالى إخبار عن إرسال نوح مطلقا ، وذلك الإخبار موجود أزلا ، باق أبدا ، فقبل الإرسال كانت العبارة الدالة عليه : «إنا نرسل» وبعد الإرسال : (إِنَّا أَرْسَلْنا) ، فالتغير في لفظ الخبر لا في الإخبار القائم بالذات ، وهذا كما تقول في علمه تعالى : إنه قائم بذاته تعالى أزلا العلم بأن نوحا مرسل ، وهذا العلم باق أبدا ، فقبل وجوده علم أنه سيوجد ويرسل ، وبعد وجوده علم بذلك العلم أنه وجد وأرسل ، والتغير في المعلوم لا في العلم ، كما يؤخذ مما مرّ في الكلام على العلم والإرادة.
واعلم أن المصنف استدل على قدم الكلام على طريق التنزل أولا ، منبها على التنزل آخرا بقوله : «فكيف ... إلخ» فقال : (لو لم يمتنع قيام الحوادث به وقام بذاته معنى فترددنا في قدمه معه وحدوثه فيه ، ولا معيّن لأحدهما وجب إثبات قدمه) أي قدم ذلك المعنى (لأن الأنسب ،) أي : لمرجح هو أن الأنسب (بالقديم) من حيث هو قديم (قدم صفاته ،) إذ القديم بالقديم أنسب من الحادث بالقديم ؛ لاتحادهما في وصف القدم ، (ولأن الأصل) في صفات القديم من حيث هو قديم (عدم الحدوث ، فكيف) لا يجب إثبات قدم المعنى القائم بذاته؟ (إذا بطل قيام الحوادث به) بأدلته المبينة في محالّها ، فقد وجد المقتضي لثبوت قدم المعنى القائم بذاته تعالى ، وهو ما ذكره من الاستدلال (مع أنه لا مانع من قدم كلامه النفسي) تعالى ، وإذا ثبت وجود المقتضي وانتفاء المانع ثبت المدّعى.
وقد بين المصنف انتفاء المانع بقوله : (إذ يعقل قيام طلب التعلم بذات الأب) من ابن سيولد له (قبل أن يخلق له ولد ، حتى لو فرض خلقه) أي الولد (وعلمه بما قام بأبيه من ذلك الطلب) بأن خلق الله تعالى له علما بما في قلب أبيه من الطلب (صار) ذلك الولد (مأمورا به) أي : بذلك الطلب الذي قام بذات أبيه ، ودام وجوده إلى وقت علم الولد به.
فإن قيل : القائم بذات الأب العزم على الطلب وتخيّله ، لا نفس الطلب ؛ لأن وجود الطلب بدون من يطلب منه شيء محال.
قلنا : المحال طلب تنجيزي لا معنوي قائم بذات من هو عالم بوجود