السامعة إدراك الكلام النفسي ، أو يفرض في الاستحالة عادة ، ولا يتأتى إنكار إمكان ذلك خرقا للعادة ، بل قد ساق صاحب «التبصرة» من عبارة الماتريدي في كتاب «التوحيد» ما يقتضي جواز سماع ما ليس بصوت ثم قال : «فجوّز يعني الماتريدي سماع ما ليس بصوت» (١). اه.
والخلاف إنما هو في الواقع للسيد موسى عليهالسلام ، فأنكر الماتريدي سماعه الكلام النفسي (وعنده) أي : الماتريدي أنه (سمع موسى عليه) الصلاة و (السلام صوتا دالّا على كلام الله تعالى) وعند الأشعري أنه عليه الصلاة والسلام سمع الكلام النفسي.
قال تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (سورة النساء : ١٦٤) والحمل على الإسناد الحقيقي ممكن ـ كما مر ـ ولا موجب للعدول عنه ، وعلى هذا فاختصاص السيد موسى باسم الكليم ظاهر (و) على ما قاله الماتريدي (خصّ) موسى (به) أي : باسم الكليم المفهوم من قول المصنف كلّم (٢) (لأنه) أي : سماعه الصوت على وجه فيه خرق للعادة ، إذ هو سماع (بغير واسطة الكتاب والملك) ذكره الماتريدي بمعناه في كتاب «التأويلات» (٣) ، ويوافقه ظاهر قوله تعالى : (نُودِيَ مِنْ شاطِئِ الْوادِ الْأَيْمَنِ فِي الْبُقْعَةِ الْمُبارَكَةِ مِنَ الشَّجَرَةِ) (سورة القصص : ٣٠) (وهو) أي : ما ذهب إليه الماتريدي (أوجه) عند المصنف قال : (لأن المخصوص باسم السمع من العلم ما يكون إدراك صوت ، وإدراك ما ليس صوتا قد يخص باسم الرؤية وقد يكون له الاسم الأعم أعني العلم مطلقا) عن التقييد بمتعلق.
ولمن انتصر للأشعري أن يقول : بل المخصوص باسم السمع من العلم ما يكون إدراكا بالقوة المودعة في مقعر الصماخ ، وقد يخلق لها إدراك ما ليس بصوت خرقا للعادة فيسمى سمعا ، ولا مانع من ذلك ، بل في كلام أبي منصور السابق نقله عن كتاب «التوحيد» له ما يشهد لذلك ، وقد علمت مما قدمناه أنه لا يتحقق في أصل المسألة خلاف وأن الخلاف في الواقع للسيد موسى.
__________________
(١) انظر : التوحيد ، للماتريدي ، ص ٥١. وعبارته : «إن كل غير الصوت لا يتكلم فيه بتسميع ، وجائز أن يتكلم فيه بعلم ، ثم لم يجب التفريق بينهما في حرف الإثبات ، ولم يوجب في ذاته اختلافا».
(٢) ليست في (م).
(٣) انظر : تأويلات أهل السنة ، ١ / ٤٤٣ للماتريدي.