(وبعد اتفاق أهل السنة) من الأشعرية والماتريدية وغيرهم (١) (على أنه تعالى متكلّم) بكلام نفسي هو صفة له قائمة به (لم يزل) تعالى (متكلما) به ، (اختلفوا في أنه تعالى : هل هو مكلّم) بصيغة الفاعل من «كلّم» المضعف بوزن «كرم» (لم يزل مكلّما؟).
(فعن الأشعري : نعم) هو تعالى كذلك ، قال الله تعالى : (وَكَلَّمَ اللهُ مُوسى تَكْلِيماً) (سورة النساء : ١٦٤) (وعن بعض أهل السنة ، ونقله بعض متكلمي الحنفية عن أكثرهم) أي : أكثر أهل السنة أو أكثر متكلمي الحنفية : (لا).
قال المصنف : (وهو عندي حسن ، فإن معنى المكلّمية لا يراد به هنا نفس الخطاب الذي يتضمّنه الأمر و) الذي يتضمنه (النهي ، كـ (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ) (سورة التوبة : ٥) ((وَلا تَقْرَبُوا الزِّنى) (سورة الإسراء : ٣٢) لأن معنى الطلب يتضمنه) أي : يتناول ذلك الخطاب وهو قسمان : الطلب الذي يتضمنه الأمر ، والطلب الذي يتضمنه النهي.
(فلا يختلف فيه) أي : في أن ذلك الخطاب ليس تكليما بل هو تكلم كما مر (إذ هو) أي : ذلك الخطاب (داخل في الكلام القديم) الذي به الباري تعالى متكلم ((٢) كما قاله الماتريدي (٢)) (وإنما يراد به) أي : بمعنى المكلمية (إسماع لمعنى : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) (سورة طه : ١٢) مثلا) ولمعنى ((وَما تِلْكَ بِيَمِينِكَ يا مُوسى (١٧)) (سورة طه : ١٧) ، وحاصل هذا عروض إضافة خاصة للكلام القديم بإسماعه لمخصوص بلا واسطة) كما قاله الأشعري ، وبلا واسطة (معتادة) كما قاله الماتريدي (ولا شك في انقضاء هذه الإضافة بانقضاء الإسماع ، فإن أريد به غير) هذين (الأمرين فليبيّن حتى ينظر فيه. والله سبحانه أعلم).
والتحقيق : أن الذي يثبته الأشعري المكلمية بمعنى آخر غير الأمرين اللذين ذكرهما المصنف ، وهو مبني على أصل له خالفه فيه غيره ، وبيان ذلك : أن المتكلمية والمكلمية مأخوذتان من الكلام لكن باعتبارين مختلفين ، فالمتكلّمية مأخوذة من
__________________
(١) لا نعلم من قال من غير الأشاعرة والماتريدية بالكلام النفسي ، والذي نعلمه أن الطائفة الثالثة من أهل السنة وهم الحنابلة ، لا يقولون بالكلام النفسي ، وإنما لهم عبارات مجملة ؛ كالقول : القرآن كلام الله غير مخلوق.
(٢) سقط من (ط).