الكلام باعتبار قيامه بذات الباري تعالى وكونه صفة له ، وهذا محل وفاق.
وأما المكلّمية فمأخوذة عند الأشعري من الكلام القائم بذاته تعالى لكن باعتبار تعلقه أزلا بالمكلف ، بناء على ما ذهب إليه هو وأتباعه من تعلق الخطاب أزلا بالمعدوم الذي سيوجد ، وشدد سائر الطوائف النكير عليهم في ذلك (١) ، فالأشعري قائل بالمكلمية بمعنى تعلق الخطاب في الأزل بالمعدوم ، والمنكرون لهذا الأصل ينفونها بهذا ((٢) المعنى ، ويفسرونها بالإسماع المذكور.
فقد ظهر أن المكلمية عند الأشعري (٢)) بمعنى سوى الأمرين اللذين ذكرهما المصنف. وبالله التوفيق.
فإن قيل اعتراضا على مذهب الأشعري : التعلق ينقطع بخروج المكلف عن أهلية التكليف بموت ونحوه ، ولو كان قديما لما انقطع.
قلنا : المنقطع التعلق التنجيزي وهو حادث ، أما الأزلي فلا ينقطع ولا يتغير ، لما قدمنا في الكلام على الإخبار القائم بالذات من أن التغيّر في اللفظ الدال عليه لا في نفسه ، وأن التغير في المعلوم لا في العلم ، فإنه يؤخذ من ذلك أن التغير في متعلق الكلام وتعلقه التنجيزي لا في التعلق المعنوي الأزلي.
(وأما قيامه) قسيم لقوله أول هذا الأصل : «أما أنه قديم ...» أي : وأما قيام الكلام (بذاته) سبحانه وتعالى أزلا (فلأنه تعالى وصف نفسه بالكلام) في قوله تعالى : (قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْها جَمِيعاً) (سورة البقرة : ٣٨) وقوله : (وَقُلْنا يا آدَمُ اسْكُنْ أَنْتَ وَزَوْجُكَ الْجَنَّةَ) (سورة البقرة : ٣٥) ومواضع أخرى كثيرة (والمتكلم الموصوف بالكلام لغة هو من قام الكلام بنفسه ، لا من أوجد الحروف في غيره كما صرّح الشاعر) وهو الأخطل (فقال :
إن الكلام لفي الفؤاد وإنّما |
|
جعل اللسان على الفؤاد دليلا) (٣) |
__________________
(١) ووجه الإنكار أن المكلمية عند الماتريدية هي إسماع لمعنى ، مثلا : (فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ) [طه : ١٢] ولا شك في انقضاء هذه الإضافة التي عرضت خاصة للكلام القديم بإسماعه لمخصوص بانقضاء الإسماع ؛ فالخطاب لا يتعلق بالمعدوم أزلا لأنه إسماع ، والإسماع إضافة ولا شك في انقضائها.
(٢) سقط من (م).
(٣) بيت شعر للأخطل ، ولتمام المعنى ، نورد البيت الذي قبله ؛ وهو :
لا يعجبنك من أثير حظه |
|
حتى يكون مع الكلام أصيلا. |
وقد أثبت محقق كتاب «شعر الأخطل» ، في طبعة دار الشروق ، بيروت ـ نسبة البيتين إلى الأخطل. انظر : شعر الأخطل ، ص ٨٠٥.