فما ذهب إليه المعتزلة من أن التكلم في حقه تعالى إيجاد الأصوات والحروف في محل مخالف للغة من غير ضرورة بهم إلى مخالفتها.
(ثم لا شك في إطلاق الكلام على من قام به الحروف لغة ،) هكذا عبارة المتن ، والمراد إطلاقه في ضمن إطلاق المتكلم ، والأوضح أن يقال : «لا شك في إطلاق الكلام على ما قام بالمتكلم من الحروف لغة» (إما مجازا وإما حقيقة ، وهو) أي : كون الإطلاق حقيقة (أقرب) من كونه مجازا (لأن المتبادر من) قولك : (تكلّم زيد ونحوه) ك «كلام زيد» ، و «زيد متكلم» ، (لغة) أي : من جهة اللغة (هو تلفّظه) بالحروف المنتظمة ، والتبادر علامة الحقيقة (فيكون) الكلام حينئذ (مشتركا لفظيا أو) مشتركا (معنويا مشكّكا) بكسر الكاف لا متواطئا ، وقوله : (بناء) متعلق بقوله : «معنويا» (١) يعني أن القول بأنه مشكك مبني (على أن الكلام مطلقا) هو (أعمّ من) كلّ من الكلام (اللفظيّ ، و) الكلام (النفسيّ) ، وأما كونه مشككا فلأن اللفظي أولى بإطلاق الكلام عليه ؛ لأن فيه أشهر ، (و) كونه مشتركا معنويا مشككا (هو الأوجه ،) لأن الإطلاق في كل من المعنيين يكون حقيقة مع وحدة الوضع ، إذ الوضع للقدر المشترك بينهما وهو متعلق التكلم أعم من كون ذلك المتعلق نفسيا أو لفظيا ، بخلاف الاشتراك اللفظي فإن الوضع فيه متعدد ، والأصل في الوضع عدم التعدد والأصل في الإطلاق الحقيقة.
(وليس في قوله) أي : الشاعر («وإنما جعل اللسان على الفؤاد دليلا» ، ما يوجب) أي : يقتضي (أن اسم الكلام عندهم مجاز في اللفظي ، وهذا) النفي (ظاهر بأدنى تأمّل) في علامات الحقيقة والمجاز ، إذ اللفظي يتبادر عند إطلاق لفظ الكلام والتبادر علامة الحقيقة ، ولأنه لا يلزم من كون اللفظي دليلا على النفسي أن يكون إطلاق الكلام على اللفظي مجازا (وكيف كان) إطلاق اسم الكلام على المعنيين سواء كان بالاشتراك المعنوي أو اللفظي أو الحقيقة والمجاز (لا بدّ في مفهوم المتكلم من قيام المعنى الذي هو الطلب والإخبار بنفسه ولو تلفظ ؛ لأن التلفّظ فرع) قيام (ذلك المعنى) بالنفس (و) فرع (العلم به).
والفرق بين قيام ذلك المعنى وبين العلم به وجداني (لأنك تجد الفرق بين طلب نفسك الشيء وعلمك بذلك الطلب ، ثم هو) أي : قيام ذلك المعنى بالنفس (وصف كمال ينافي الآفة) التي هي العجز عن إدارة المعنى في النفس (فوجب
__________________
(١) في (م) : مشككا.