أنفسكم بما شهد الله وملائكته وأنبيائه ورسله وعباده المؤمنون به عليكم من الكفر والتكذيب والجحد للحق ومعاداة الله ورسوله.
(الوجه الثالث) أنه لو أتاكم عبد الله بن سلام بكل نسخة متضمنة لغاية البيان والصراحة لكان في بهتكم وعنادكم وكذبكم ما يدفع في وجوهها ويحرفها أنواع التحريف ما وجد إليه سبيلا ، فإذا جاءكم بما لا قبل لكم به قلتم : ليس هو ، ولم يأت بعد ، وقلتم : نحن لا نفارق حكم التوراة ، ولا نتبع نبي الأميين. وقد صرح اسلافكم الذين شاهدوا رسول الله صلىاللهعليهوسلم وعاينوه أنه رسول حقا ، وأنه المبشر به الموعود به على ألسنة الأنبياء المتقدمين ، وقال من قال منهم في وجهه : نشهد أنك نبي فقال : «ما يمنعك من اتباعي»؟ قال : إنا نخاف أن يقتلنا يهود ، وقد قال تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ حَقَّتْ عَلَيْهِمْ كَلِمَتُ رَبِّكَ لا يُؤْمِنُونَ وَلَوْ جاءَتْهُمْ كُلُّ آيَةٍ حَتَّى يَرَوُا الْعَذابَ الْأَلِيمَ) [يونس : ٩٦] وقد جاءكم بآيات هي أعظم من بشارات الأنبياء به وأظهر بحيث أن كل آية منها يصلح أن يؤمن على مثلها البشر ، فما زادكم ذلك إلا نفورا وتكذيبا وإباء لقبول الحق ، فلو نزّل الله إليكم ملائكته وكلمكم الموتى وشهد له بالنبوة كل رطب ويابس لغلبت عليكم الشقوة وصرتم إلى ما سبق لكم في أم الكتاب ، وقد رأى من كان أعقل منكم وأبعد من الحسد من آيات الأنبياء ما رأوا وما زادهم ذلك إلا تكذيبا وعنادا ، فاسلافكم وقدوتكم في تكذيب الأنبياء من الأمم لا يحصيهم إلا الله حتى كأنكم تواصيتم بذلك أوصى به الأول للآخر واقتدى فيه الآخر بالأول ، قال تعالى : (كَذلِكَ ما أَتَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ مِنْ رَسُولٍ إِلَّا قالُوا ساحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ أَتَواصَوْا بِهِ بَلْ هُمْ قَوْمٌ طاغُونَ) [الذاريات : ٥٢] ، وهبنا ضربنا عن إخبار الأنبياء المتقدمين به صفحا أفليس في الآيات والبراهين التي ظهرت على يديه ما يشهد بصحة نبوته؟! وسنذكر منها بعد الفراغ من الأجوبة طرفا يقطع المعذرة ويقيم الحجة ، والله المستعان.
(فصل) قال السائل : «إنكم نسبتم الأمتين العظيمتين المذكورتين إلى اختيار الكفر على الإيمان للغرض المذكور فابن سلام وأصحابه أولى بذلك الغرض ؛