وبهذا يظهر لك سر قوله تعالى في القرآن : (مَا الْمَسِيحُ ابْنُ مَرْيَمَ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ وَأُمُّهُ صِدِّيقَةٌ كانا يَأْكُلانِ الطَّعامَ) [المائدة : ٧٥] ، تذكيرا للنصارى بما قال لهم المسيح. وقال في دعائه لما سأل ربه أن يحيي الميت : «أنا أشكرك وأحمدك لأنك تجيب دعائي في هذا الوقت وفي كل وقت ، فأسألك أن تحيي هذا الميت ليعلم بنو إسرائيل أنك أرسلتني وأنك تجيب دعائي». وفي الإنجيل أن المسيح حين خرج من السامرية ولحق بجلجال قال : «لم يكرم أحد من الأنبياء في وطنه» فلم يزد على دعوى النبوة. وفي إنجيل لوقا : «لم يقتل أحد من الأنبياء في وطنه فكيف تقتلونني». وفي إنجيل مرقس : «أن رجلا أقبل إلى المسيح وقال أيها المعلم الصالح أي خير أعمل لأنال الحياة الدائمة؟ فقال له المسيح : لم قلت صالحا؟ إنما الصالح الله وحده ، وقد عرفت الشروط ، لا تسرق ولا تزن ولا تشهد بالزور ولا تخن ، واكرم أباك وأمك». وفي إنجيل يوحنا أن اليهود لما أرادوا قبضه رفع بصره إلى السماء وقال : «قد دنا الوقت يا إلهي فشرفني لديك ، واجعل لي سبيلا أن أملك كل من ملكتني الحياة الدائمة ، وإنّما الحياة الباقية أن يؤمنوا بك إلها واحدا وبالمسيح الذي بعثت وقد عظمتك على أهل الأرض واحتملت الذي أمرتني به فشرفني» فلم يدع سوى أنه عبد مرسل مأمور مبعوث. وفي إنجيل متى «لا تنسبوا أباكم الذي على الأرض فإن أباكم الذي في السماء وحده ، ولا تدعوا معلمين فإنما معلمكم المسيح وحده» والأب في لغتهم الرب المربي ، أي لا تقولوا إلهكم وربكم في الأرض ولكنه في السماء ، ثم أنزل نفسه بالمنزلة التي أنزله بها ربه ومالكه وهو أن غايته أنه يعلم في الأرض وإلههم هو الذي في السماء. وفي إنجيل لوقا حين دعا الله فأحيا ولد المرأة فقالوا : «إن هذا النبي لعظيم ، وأن الله قد تفقد أمته». وفي إنجيل يوحنا أن المسيح أعلن صوته في البيت وقال لليهود : «قد عرفتموني وموضعي ، ولم آت من ذاتي ، ولكن بعثني الحق وأنتم تجهلونه ، فإن قلت إني أجهله كنت كاذبا مثلكم وأنا أعلم وأنتم تجهلونه أني منه وهو بعثني» فما زاد في دعواه على ما ادعاه الأنبياء فأمسكت المثلثة قوله «إني منه» وقالوا : إله حق من إله حق وفي القرآن : (رَسُولٌ مِنَ اللهِ) [البينة : ٢] ، وقال هود : (وَلكِنِّي رَسُولٌ مِنْ رَبِ