ادعى أنه عبد ونبي ورسوله كما شهدت به الأناجيل كلها ودل عليه العقل والفطرة وشهدتم أنتم له بالإلهية ـ وهذا هو الواقع ـ فلم تأتوا على إلهيته ببينة غير تكذيبه في دعواه ، وقد ذكرتم عنه في أناجيلكم في مواضع عديدة ما يصرح بعبوديته وأنه مربوب مخلوق ، وأنه ابن البشر ، وأنه لم يدع غير النبوة والرسالة ، فكذبتموه في ذلك كله وصدقتم من كذب على الله وعليه!! وإن قلتم إنما جعلناه إلها لانه أخبر بما يكون بعده من الأمور فكذلك عامة الأنبياء ، وكثير من الناس يخبر عن حوادث في المستقبل جزئية ويكون ذلك كما أخبر به ويقع من ذلك كثير للكهان والمنجمين والسحرة!! وإن قلتم إنما جعلناه إلها لأنه سمى نفسه ابن الله في غير موضع من الإنجيل كقوله : «إني ذاهب إلى أبي» و «إني سائل أبي» ونحو ذلك وابن الإله إله ، قيل فاجعلوا أنفسكم كلكم آلهة في غير موضع أنه سماه «أباه ، وأباهم» كقوله «اذهب إلى أبي وأبيكم» وفيه «ولا تسبوا أباكم على الأرض فإن أباكم الذي في السماء وحده» وهذا كثير في الإنجيل وهو يدل على أن الأب عندهم الرب!! وإن جعلتموه إلها لأن تلاميذه ادعوا ذلك له وهم أعلم الناس به كذبتم أناجيلكم التي بأيديكم فكلها صريحة أظهر صراحة بأنهم ما ادعوا له إلّا ما ادعاه لنفسه من أنه عبد ، فهذا «متى» يقول في الفصل التاسع من إنجيله محتجا بنبوة شعيا في المسيح عن الله عزوجل : «هذا عبدي الذي اصطفيته وحبيبي الذي ارتاحت نفسي له» وفي الفصل الثامن من إنجيله : «إني أشكرك يا رب» «ويا رب السموات والأرض» وهذا «لوقا» يقول في آخر إنجيله «إن المسيح عرض له ولآخر من تلاميذه في الطريق ملك وهما محزونان فقال لهما وهما لا يعرفانه : ما بالكما محزونين؟ فقالا : كأنك غريب في بيت المقدس ، إذ كنت لا تعلم ما حدث فيها في هذه الأيام من أمر الناصري فإنه كان رجلا نبيا قويا تقيا في قوله وفعله عند الله وعند الأمة أخذوه وقتلوه» وهذا كثير جدا في الإنجيل! وإن قلتم : إنما جعلناه إلها لأنه صعد إلى السماء. فهذا أخنوخ والياس قد صعدا إلى السماء وهما حيان مكرمان لم تشكهما شوكة ولا طمع فيهما طامع ، والمسلمون مجمعون على أن محمدا صلىاللهعليهوسلم ، صعد إلى السماء وهو عبد محض ، وهذه الملائكة تصعد إلى السماء ، وهذه أرواح المؤمنين تصعد إلى السماء بعد مفارقتها الأبدان ولا تخرج بذلك عن العبودية وهل كان الصعود إلى السماء مخرج