ومحمد أحق بها منه. وإن قلتم أوجبنا له بذلك الإلهية لقول أرمياء النبي عن ولادته : «وفي ذلك الزمان يقوم لداود ابن ، وهو ضوء النور ، يملك الملك ، ويقيم الحق والعدل في الأرض ، ويخلص من آمن به من اليهود ومن بني إسرائيل ومن غيرهم ، ويبقى بيت المقدس من غير مقاتل ، ويسمى الإله.» فقد تقدم أن اسم الإله في الكتب المتقدمة وغيرها قد أطلق على غيره وهو بمنزلة الرب والسيد والأب ولو كان عيسى هو الله لكان أجل من أن يقال ويسمى الإله وكان يقول وهو الله ، فإن الله سبحانه لا يعرف بمثل هذا ، وفي هذا الدليل الذي جعلتموه به إلها أعظم الأدلة على أنه عبد وإنه ابن البشر ، فإنه قال : «يقوم لداود ابن» فهذا الذي قام لداود هو الذي سمي بالإله ، فعلم أن هذا الاسم لمخلوق مصنوع مولود لا لرب العالمين وخالق السموات والأرضين».
وإن قلتم إنما جعلناه إلها من جهة قول شعيا النبي : «قل لصهيون يفرح ويتهلل فإن الله يأتي ويخلص الشعوب ويخلص من آمن به ويخلص مدينة بيت المقدس ويظهر الله ذراعه الطاهر فيها لجميع الأمم المتبددين ويجعلهم أمة واحدة ، ويصر جميع أهل الأرض خلاص الله لأنه يمشي معهم وبين أيديهم ويجمعهم إله إسرائيل» قيل لهم هذا يحتاج «أولا» إلى أن يعلم أن ذلك في نبوة اشعيا بهذا اللفظ بغير تحريف للفظه ولا غلط في الترجمة ، وهذا غير معلوم ، وإن ثبت ذلك لم يكن فيه دليل على أنه إله تام وأنه غير مصنوع ولا مخلوق فإنه نظير ما في التوراة : «جاء الله من طور سيناء ، وأشرق من ساعير ، واستعلن من جبال فاران» وليس في هذا ما يدل على أن موسى ومحمد إلهان والمراد بهذا مجيء دينه وكتابه وشرعه وهداه ونوره ، وأما قوله : «ويظهر ذراعه الطاهر لجميع الأمم المبددين» ففي التوراة مثل هذا وأبلغ منه في غير موضع ، وأما قوله : «ويصر جميع أهل الأرض خلاص الله لأنه يمشي معهم ومن بين أيديهم» فقد قال في التوراة في السفر الخامس لبني إسرائيل : «لا تهابوهم ولا تخافوهم لأن الله ربكم السائر بين أيديكم وهو محارب عنكم» وفي موضع آخر قال موسى : «إن الشعب هو شعبك ، فقال أنا أمضي أمامك ، فقال إن لم تمض أنت أمامنا وإلا فلا تصعدنا من هاهنا ، فكيف أعلم أنا وهذا الشعب أني وجدت