أسلمهم إليهما ولا أكاد أقوام جاوروني ونزلوا ببلادي واختاروني على من سواي حتى أدعوهم فأسألهم ما يقول هذان في أمرهم ، فإن كانوا كما يقولان أسلمتهم إليهما ورددتهم إلى قومهم وإن كانوا على غير ذلك منعتهم منهما وأحسنت جوارهم ما جاوروني ، قالت ثم أرسل إلى أصحاب رسول الله صلىاللهعليهوسلم فدعاهم ، فلما جاءهم رسوله اجتمعوا ، ثم قال بعضهم لبعض ما تقولون للرجل إذا جئتموه قالوا نقول والله ما علمنا وما أمرنا به نبينا صلىاللهعليهوسلم كائنا في ذلك ما هو كائن ، فلما جاءوه ـ وقد دعا النجاشي اسقفته فنشروا مصاحفهم حوله ـ سألهم فقال : ما هذا الدين الذي فارقتم فيه قومكم ولم تدخلوا في ديني ولا دين أحد من هذه الامم ، قالت وكان الذي كلمه جعفر بن أبي طالب ، فقال له أيها الملك ، كنا قوما أهل جاهلية نعبد الاصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ونقطع الارحام ، ونسيء الجوار ، يأكل القوي منا الضعيف ، فكنا على ذلك حتى بعث الله إلينا رسولا منا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه ، فدعانا إلى الله لنوحده ونعبده ونخلع ما كنا نعبد نحن وآباؤنا من دونه من الحجارة والأوثان ، وأمرنا بصدق الحديث ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، وحسن الجوار والكف عن المحارم والدماء ، ونهانا عن الفواحش وقول الزور وأكل مال اليتيم وقذف المحصنة ، وأمرنا أن نعبد الله لا نشرك به شيئا ، وأمرنا بالصلاة والزكاة والصيام ، قالت فعدد عليه أمور الإسلام ، فصدقناه وآمنا به واتبعناه على ما جاء به فعبدنا الله وحده ولم نشرك به شيئا ، وحرمنا ما حرم علينا ، وأحللنا ما أحل لنا ، فعدا علينا قومنا فعذبونا وفنونا عن ديننا ليردونا إلى عبادة الأوثان من عبادة الله عزوجل وأن تستحل ما كنا نستحل من الخبائث ، فلما قهرونا وظلمونا وشقوا علينا وحالوا بيننا وبين ديننا خرجنا إلى بلدك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك أيها الملك. قالت فقال النجاشي : هل معك مما جاء به عن الله من شيء؟ قالت فقال له جعفر : نعم فقال له النجاشي : فاقرأه علي ، فقرأ عليه صدرا من (كهيعص) قالت فبكى والله النجاشي حتى أخضل لحيته وبكت اساقفته حتى أخضلوا مصاحفهم حين سمعوا ما تلى عليهم ، ثم قال النجاشي : إن هذا والذي جاء به موسى ليخرج من مشكاة واحدة ، انطلقوا فو الله لا اسلمهم إليكم أبدا ولا أكاد قالت أم سلمة فلما خرجنا من عنده قال عمر بن العاص والله