مخرجه ونحو ذلك فان هذا يعينه ويميزه ويحصر نوعه في شخصه ، وهذا القدر مذكور في التوراة والإنجيل وغيرهما من النبوات التي بأيدي أهل الكتاب كما سنذكرها ، ويدل عليه وجوه :
«الوجه الأول» أن رسول الله صلىاللهعليهوسلم كان احرص الناس على تصديقه واتباعه واقامة الحجة على من خالفه وجحد نبوته ، ولا سيما أهل العلم والكتاب ، فان الاستدلال عليهم بما يعلمون بطلانه قطعا لا يفعله عاقل ، وهو بمنزلة من يقول لرجل علامة صدقي انك فلان ابن فلان وصنعتك كيت وكيت وتعرف بكيت وكيت ولم يكن الامر كذلك بل بضده ، فهذا لا يصدر ممن له مسكة عقل ، ولا يصدقه أحد على ذلك ، ولا يتبعه أحد على ذلك ، بل ينفر العقلاء كلهم عن تصديقه واتباعه ، والعادة تحيل سكوتهم عن الطعن عليه والرد والتهجين لقوله ، ومن المعلوم بالضرورة أن محمد بن عبد الله صلوات الله وسلامه عليه نادى معلنا في هاتين الامتين اللتين هما أعلم الامم في الأرض قبل مبعثه بأن ذكره ونعته وصفته بعينه عندهم في كتبهم ، وهو يتلو ذلك عليهم ليلا ونهارا وسرا وجهارا في كل مجمع وفي كل ناد يدعوهم بذلك الى تصديقه والايمان به فمنهم من يصدق ويؤمن به ، ويخبر بما في كتبهم من نعته وصفته وذكره كما سيمر بك ان شاء الله ، وغاية المكذب الجاحد أن يقول هذا النعت والوصف حق ولكن لست أنت المراد به بل نبي آخر ، وهذا غاية ما يمكنه من المكابرة ، ولم تجد عليه هذه المكابرة الا كشفه عورته وابدائه الفضيحة بالكذب والبهتان ، فالصفات والنعوت والعلامات المذكورة عندهم منطبقة عليه حذو القذة بالقذة بحيث لا يشك من عرفها وراه أنه هو كما عرفه قيصر وسلمان بتلك العلامات المذكورات التي كانت عنده من بعض علمائه وكذلك هرقل عرف نبوته بما وصف له من لعلامات التي سأل عنها أبا سفيان فطابقت ما عنده ، فقال : ان يكن ما تقول حقا كانه نبي وسيملك ما تحت قدمي هاتين ، وكذلك من قدمنا ذكرهم من الاحبار والرهبان الذين عرفوه بنعته وصفته كما يعرفون أبناءهم قال تعالى (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمْ ، وَإِنَّ فَرِيقاً مِنْهُمْ لَيَكْتُمُونَ الْحَقَّ وَهُمْ يَعْلَمُونَ) [البقرة : ١٤٦]. وقال في موضع آخر : (الَّذِينَ آتَيْناهُمُ الْكِتابَ يَعْرِفُونَهُ كَما يَعْرِفُونَ أَبْناءَهُمُ ، الَّذِينَ خَسِرُوا أَنْفُسَهُمْ فَهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [الأنعام : ٢]