ومعلوم أن هذه المعرفة انما هي بالنعت والصفة المكتوبة عندهم التي هي منطبقة عليه ، كما قال بعض المؤمنين منهم : والله لأحدنا اعرف به من ابنه ، ان احدنا ليخرج من عند امرأته وما يدري ما يحدث بعده. ولهذا أثنى الله سبحانه على من عرف الحق منهم ولم يستكبر عن اتباعه فقال (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَداوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا ، وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قالُوا إِنَّا نَصارى ، ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة : ٨٢] (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنا آمَنَّا فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة : ٨٣] (وَما لَنا لا نُؤْمِنُ بِاللهِ وَما جاءَنا مِنَ الْحَقِّ ، وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنا رَبُّنا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ) [المائدة : ٨٤] (فَأَثابَهُمُ اللهُ بِما قالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ خالِدِينَ فِيها وَذلِكَ جَزاءُ الْمُحْسِنِينَ) [المائدة : ٨٥] (وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآياتِنا أُولئِكَ أَصْحابُ الْجَحِيمِ) [المائدة : ٨٦]. قال ابن عباس لما حضر اصحاب النبي صلىاللهعليهوسلم بين يدي النجاشي وقرءوا القرآن سمع ذلك القسيسون والرهبان فانحدرت دموعهم مما عرفوا من الحق ، فقال الله تعالى (ذلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْباناً وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ) [المائدة : ٨٢] الآيات. وقال سعيد بن جبير بعث النجاشي من خيار أصحابه ثمانين رجلا الى رسول الله صلىاللهعليهوسلم فقرأ عليهم القرآن فبكوا ورقوا ، وقالوا نعرف والله ، فاسلموا وذهبوا الى النجاشي فاخبروه فاسلم ، فأنزل الله فيهم (وَإِذا سَمِعُوا ما أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ) [المائدة : ٨٣] الآيات ، وقال السدي كانوا اثني عشر رجلا سبعة من القسيسين وخمسة من الرهبان فلما قرأ عليهم رسول الله صلىاللهعليهوسلم القرآن بكوا وقالوا (رَبَّنا آمَنَّا بِما أَنْزَلْتَ وَاتَّبَعْنَا الرَّسُولَ فَاكْتُبْنا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [آل عمران : ٥٣] قال ابن عباس هم محمد وأمته ، وهم القوم الصالحون الذين طمعوا ان يدخلهم الله فيهم ، والمقصود ان هؤلاء الذين عرفوا انه رسول الله بالنعت الذي عندهم فلم يملكوا أعينهم من البكاء وقلوبهم من المبادرة الى الايمان ، ونظير هذا قوله سبحانه (قُلْ آمِنُوا بِهِ أَوْ لا تُؤْمِنُوا إِنَّ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ مِنْ قَبْلِهِ إِذا يُتْلى عَلَيْهِمْ يَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ سُجَّداً) [الاسراء : ١٠٧] (وَيَقُولُونَ سُبْحانَ رَبِّنا إِنْ كانَ وَعْدُ رَبِّنا لَمَفْعُولاً) [الاسراء : ١٠٨] (وَيَخِرُّونَ لِلْأَذْقانِ يَبْكُونَ وَيَزِيدُهُمْ