الذل والضيق والقهر ، وكذلك أنفوا أن يكون للبترك والراهب زوجة أو ولد وجعلوا لله رب العالمين الولد ، وكذلك أنفوا أن يعبدوا الله وحده لا شريك له ويطيعوا عبده ورسوله ثم رصوا بعبادة الصليب والصور المصنوعة بالأيدي في الحيطان وطاعة كل من يحرم عليهم ما شاء ويحلل لهم ما شاء ويشرع لهم من الدين ما شاء من تلقاء نفسه. ونظير هذا التعويض أنفة الجهمية ان يكون الله سبحانه فوق سماواته على عرشه بائنا من خلقه حتى لا يكون محصورا بزعمهم في جهة معينة ثم قالوا هو في كل مكان بذاته. فحصروه في الآبار والسجون والأنجاس والأخباث ، وعوضوه بهذه الأمكنة عن عرشه المجيد. فليتأمل العاقل لعب الشيطان بعقول هذا الخلق ، وضحكه عليهم ، واستهزائه بهم!!.
(فصل) وقول المسيح : «إذا انطلقت أرسلته إليكم» معناه أني أرسله بدعاء ربي وطلبي منه أن يرسله ، كما يطلب الطالب من ولي الأمر ان يرسل رسولا أو يولي نائبا أو يعطي أحدا ، فيقول أنا أرسلت هذا ووليته وأعطيته. يعني أني كنت سببا في ذلك ، فإن الله سبحانه إذا قضى أن يكون الشيء فانه يقدر له أسبابا يكون بها ، ومن تلك الأسباب دعاء بعض عباده بان يفعل ذلك فيكون في ذلك من النعمة إجابة دعائه مضافا إلى نعمته بإيجاد ما قضى كونه ، ومحمد صلىاللهعليهوسلم ، قد دعا به الخليل أبوه فقال : (رَبَّنا وَابْعَثْ فِيهِمْ رَسُولاً مِنْهُمْ يَتْلُوا عَلَيْهِمْ آياتِكَ ، وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتابَ وَالْحِكْمَةَ وَيُزَكِّيهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) [البقرة : ١٢٩] ، مع أن الله سبحانه قد قضى بإرساله وأعلن باسمه قبل ذلك ، كما قيل له : يا رسول الله : متى كنت نبيا؟ قال «وآدم بين الروح والجسد» وقال : «إني عند الله لمكتوب خاتم النبيين وأن آدم لمنجدل في طينته» وهذا كما قضى الله سبحانه نصره يوم بدر ومن أسباب ذلك استعانته بربه ودعاؤه وابتهاله بالنصر ، وكذلك ما يقضيه من إنزال الغيث قد يجعله بسبب ابتهال عباده ودعائهم وتضرعهم إليه ، وكذلك ما يقضيه من مغفرة ورحمة وهداية ونصر قد يسبب له أدعية يحصل بها ممن ينال ذلك أو من غيره ، فلا يمتنع أن يكون المسيح سأل ربه بعد صعوده أن يرسل أخاه محمدا إلى العالم ، ويكون ذلك من أسباب الرسالة المضافة إلى دعوة أبيه إبراهيم ، لكن إبراهيم سأل ربه أن يرسله في الدنيا فلذلك ذكره الله