هاجر ، ونفذ الماء الذي كان معها ، فطرحت الغلام تحت شجرة ، وجلست مقابلته على مقدار رمية الحجر لئلا تبصر الغلام حين يموت ، ورفعت صوتها بالبكاء ، وسمع الله صوت الغلام حيث هو ، فقال لها الملك : قومي فاحملي الغلام وشدي يدك به فاني جاعله لأمة عظيمة ، وفتح الله عينيها فبصرت ببئر ماء فسقت الغلام وملأت سقاها ، وكان الله مع الغلام فتربي وسكن في برية فاران فهذا نص التوراة ان إسماعيل ربي وسكن في برية فاران بعد أن كاد يموت من العطش ، وأن الله سقاه من بئر ماء» وقد علم بالتواتر واتفاق الأمم أن إسماعيل إنما ربي بمكة ، وهو وأبوه إبراهيم بنيا البيت ، فعلم قطعا أن «فاران» هي أرض مكة.
(فصل) ومثل هذه البشارة من كلام شمعون فيما قبلوه ورضوا ترجمته «جاء الله من جبال فاران ، وامتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح أمته» ولم يخرج احد من جبال فاران التي امتلأت السموات والأرض من تسبيحه وتسبيح امته سوى محمد صلىاللهعليهوسلم ، فان المسيح لم يكن بارض فاران البتة ، وموسى إنما كلم من الطور والطور ليس من أرض فاران ، وان كانت البرية التي بين مكة والطور تسمى برية فاران فلم ينزل الله فيها التوراة ، وبشارة التوراة قد تقدمت بجبل الطور ، وبشارة الإنجيل بجبل ساعير.
(فصل) ونظير هذا ما نقلوه ورضوا ترجمته في نبوة حيقوق «جاء الله من التين ، وظهر القدس على جبال فاران ، وامتلأت الأرض من تحميد أحمد ، وملك بيمينه رقاب الأمم ، وأنارت الأرض لنوره ، وحملت خيله في البحر» قال ابن قتيبة : وزاد فيه بعض أهل الكتاب «وستنزع في قسيك اعراقا وترتوي السهام بأمرك يا محمد ارتواء» وهذا إفصاح باسمه وصفاته ، فان ادعوا انه غيره فمن أحمد هذا الذي امتلأت الأرض من تحميده ، الذي جاء من جبال فاران فملك رقاب الأمم؟!!.