الظلمة الفجرة الذين يكذبون على الله ، فالأخبار لا تكون بشارة ، ولا تفرح به هاجر وإبراهيم ، ولا بشر أحد بذلك ، ولا يكون ذلك اثابة لها من خضوعها وذلها وأن الله قد سمع ذلك ويعظم هذا المولود ويجعله لامة عظيمة ، وهذا عند الجاحدين بمنزلة أن يقال : أنك ستلدين جبارا ظالما طاغيا يقهر الناس بالباطل ، ويقتل أولياء الله ، ويسبي حريمهم ، ويأخذ أموالهم بالباطل ، ويبدل أديان الأنبياء ، ويكذب على الله ، ونحو ذلك فمن حمل هذه البشارة على هذا فهو من أعظم الخلق بهتانا وفرية على الله ؛ وليس هذا بمستنكر لأمة الغضب ، وقتلة الأنبياء ، وقوم البهت.
(فصل الوجه السابع) قول داود في الزبور : «سبحوا الله تسبيحا جديدا ، وليفرح إسرائيل بخالقه ، وبيوت صهيون (١) من أجل أن الله اصطفى له امته وأعطاه النصر ، وسدد الصالحين بالكرامة يسبحون على مضاجعهم ، ويكبرون الله بأصوات مرتفعة بأيديهم سيوف ذات شفرتين ، ولينتقم بهم من الأمم الذين لا يعبدونه ، يوثقون ملوكهم بالقيود ، واشرافهم بالأغلال» ، وهذه الصفات إنما تنطبق على محمد وأمته ، فهم الذين يكبرون الله بأصواتهم مرتفعة في أذانهم للصلوات الخمس وعلى الأماكن العالية ، قال جابر : «كنا مع النبي صلىاللهعليهوسلم ، إذا علونا كبرنا ، وإذا هبطنا سبحنا ، فوضعت الصلاة على ذلك» وهم يكبرون الله بأصوات عالية مرتفعة في الأذان ، وفي عيد الفطر ، وعيد النحر ، وفي عشر ذي الحجة ، وعقيب الصلوات في أيام منى ، وذكر البخاري عن عمر بن الخطاب أنه كان يكبر بمنى فيسمعه أهل المسجد فيكبرون بتكبيره ، فيسمعهم أهل الأسواق فيكبرون ، حتى ترتج منى تكبيرا ، وكان أبو هريرة وابن عمر يخرجان إلى السوق أيام العشر فيكبران ويكبر الناس بتكبيرهما ، ويكبرون أيضا على قرابينهم وضحاياهم ، وعند رمي الجمار ، وعلى الصفا والمروة ، وعند محاذاة الحجر الأسود ، وفي أدبار الصلوات الخمس ؛ وليس هذا لأحد من الأمم لا أهل الكتاب ولا غيرهم سواهم ، فان اليهود يجمعون الناس بالبوق ، والنصارى بالناقوس.
__________________
(١) نسخة وبنو صهيون يبتهجون بملكهم.