وأما تكبير الله بأصوات مرتفعة فشعار محمد بن عبد الله وأمته وقوله «بأيديهم سيوف ذات شفرتين» فهي السيوف العربية التي فتح الصحابة بها البلاد ، وهي إلى اليوم معروفة لهم وقوله «يسبحون على مضاجعهم» هو نعت للمؤمنين. (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللهَ قِياماً وَقُعُوداً وَعَلى جُنُوبِهِمْ) [آل عمران : ١٩١] ، ومعلوم قطعا أن هذه البشارة لا تنطبق على النصارى ولا تناسبهم ، فانهم لا يكبرون الله بأصوات مرتفعة ، ولا بأيديهم سيوف ذات شفرتين ينتقم الله بهم من الأمم والنصارى تعيب من يقاتل الكفار بالسيف ، وفيهم من يجعل هذا من أسباب التنفير عن محمد صلىاللهعليهوسلم ، ولجهلهم وضلالهم لا يعلمون أن موسى قاتل الكفار ، وبعده يوشع بن نون ، وبعده داود وسليمان وغيرهم من الأنبياء ، وقبلهم إبراهيم الخليل صلوات الله وسلامه عليهم أجمعين.
(فصل الوجه الثامن) قول داود : «ومن أجل هذا بارك الله عليك إلى الأبد فتقلد أيها الجبار السيف ، لأن البهاء لوجهك ، والحمد الغالب عليك ، اركب كلمة الحق ، وسبحت التأله ؛ فأن ناموسك وشرائعك مقرونة بهيبة يمينك ، وسهامك مسنونة ، والأمم يخرون تحتك» وليس متقلد السيف بعد داود من الأنبياء سوى محمد صلىاللهعليهوسلم ، وهو الذي خرت الأمم تحته ، وقرنت شرائعه بالهيبة : إما القبول وإما الجزية ، وإما السيف وهذا مطابق لقوله صلىاللهعليهوسلم : «نصرت بالرعب مسيرة شهر» وقد أخبر داود أن له ناموسا وشرائع ، وخاطبه بلفظ الجبار اشارة إلى قوته وقهره لاعداء الله ، بخلاف المستضعف المقهور ، وهو صلىاللهعليهوسلم ، نبي الرحمة ، ونبي الملحمة ، وامته اشداء على الكفار رحماء بينهم ، أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ، بخلاف الأذلاء المقهورين المستكبرين ، الذين يذلون لأعداء لله ويتكبرون عن قبول الحق.
(فصل الوجه التاسع) قول داود في مزمور آخر «أن الله سبحانه أظهر من صهيون إكليلا محمودا وضرب الإكليل مثلا للرئاسة والإمامة ، ومحمود هو محمد صلىاللهعليهوسلم ، وقال في «صفته» ويحوز من البحر إلى البحر ، ومن لدن الانهار إلى ينابيع الأرض ، وأنه لتخر أهل الجزائر بين يديه على ركبهم ، وتلحس أعداؤه التراب تأتيه ملوك الفرس وتسجد له ، وتدين له الأمم بالطاعة والانقياد. ويخلص