بلادهم ، وإنّما أخذه منه نور الدّين على خلاف مراده ، وأنّ ولده الصّالح إسماعيل قد أنعم به عليه. فلم يفعل السّلطان ، فأرسل قليج عشرين ألفا لحصار الحصن ، فالتقاهم تقيّ الدين عمر صاحب حماة ومعه سيف الدّين علي المشطوب في ألف فارس ، فهزمهم لأنّه حمل عليهم بغتة وهم على غير تعبئة ، وضربت كوساته (١) ، وعمل عسكره كراديس. فلمّا سمعت الروم الضّجّة ظنّوا أنّهم قد دهمهم جيش عظيم ، فركبوا خيولهم عريا ، وطلبوا النّجاة وتركوا الخيام بما فيها. فأسر منهم عددا ، ثمّ منّ عليهم بأموالهم وسرّحهم. ولم يزل تقيّ الدّين يدلّ بهذه النّصرة ، ولا ريب أنّها عظيمة (٢).
[وصول بعض أسرى الروم والغنائم إلى بغداد]
وورد بغداد رسول صلاح الدّين ، وهو مبارز الدّين كشطغايّ ، وجلس له ظهير الدّين أبو بكر بن العطّار ، وبين يديه أرباب الدّولة ، فجاءوا بين يديه اثنا عشر أسيرا عليهم الخوذ والزّرديّات ، ومع كلّ واحد قنطاريّة ، وعلى كتفه طارقة منها طارقة ملك الفرنج ، وعلى القنطاريات سعف الفرنج. وبين يديه أيضا من التّحف والنّفائس ، من ذلك صنم طوله ذراعين حجر ، فيه صناعة عجيبة ، قد جعل سبّابته على شفته كالمتبسّم عجبا. ومن ذلك صينيّة ملأى جواهر ، وضلع آدميّ نحو سبعة أشبار ، في عرض أربع أصابع ، وضلع سمكة ، طوله عشرة أذرع ، في عرض ذراعين.
__________________
(١) الكوسات : صنوجات من نحاس تشبه الترس الصغير يدقّ بأحدها على الآخر بإيقاع مخصوص ومعها طبول وشبابة يدقّ بها مرتين في القلعة كل ليلة ، وإذا كان السلطان في السفر تدور حول خيامه. (صبح الأعشى ٤ / ٩).
(٢) سنا البرق الشامي ١ / ٣٣١ ، مضمار الحقائق ١٨ ـ ٢٤ ، الكامل في التاريخ ١١ / ، الروضتين ج ٢ / ٩ ، المختصر في أخبار البشر ٣ / ٦١ ، تاريخ الوردي ٢ / ٨٩ ، البداية والنهاية ١٢ / ٣٠٣ ، العبر ٤ / ٢٢٢ ، مرآة الجنان ٣ / ٤٠١ ، السلوك ج ١ ق ١ / ٦٨ ، ٦٩ ، تاريخ الزمان ١٩٥ ، شفاء القلوب ٩٦ ، ٩٧ ، عقد الجمان ١٢ / ٢١٤ أ(٥٧٤ ه.).