سوى قسنطينة (١) الهوى ، فحصرها إلى أن جاء جيش الموحّدين في صفر سنة إحدى وثمانين في البرّ والبحر إلى بجّاية ، فهرب منها أخوا ابن غانية فلحقا به ، فترحّل عن قسنطينة ، وسار إلى إفريقية ، فحشد وجمع ، والتفّ عليه سليم ، ورياح ، والتّرك الّذين كانوا قد دخلوا من مصر مع قراقوش ، وبعدها ، وصاروا في جيش عظيم ، فتملّك بهم ابن غانية جميع بلاد إفريقية ، سوى تونس ، والمهديّة (٢) ، حفظتهما عساكر الموحّدين على شدّة وضيق نالهم ، وانضاف إلى ابن غانية كلّ مفسد وكلّ حراميّ ، وأهلكوا البلاد والعباد ، ونزل على جزيرة باشرا وهي بقرب تونس ، تشمل على قرى كثيرة ، فطلب أهلها الأمان فأمّنهم ، فلمّا دخل عسكره نهبوها وسلبوا النّاس ، وامتدّت أيديهم إلى الحريم والصّبيان ، والله المستعان.
[إقامة الخطبة العباسية بإفريقية]
وأقام ابن غانية بإفريقية الخطبة العبّاسيّة ، وأرسل إلى النّاصر لدين الله يطلب منه تقليدا بالسّلطنة. ونازل قفصة في سنة اثنتين وثمانين ، فتسلّمها من نوّاب ابن عبد المؤمن بالأمان وحصّنها. فجهّز يعقوب بن يوسف بن عبد المؤمن جيوشه ، وسار في سنة ثلاث لحربه ، فوصل إلى تونس ، وبعث ابن أخيه في ستّة آلاف فارس ، فالتقوا ، فانهزم الموحّدون لأنّهم كانوا معهم جماعة من التّرك ، فخامروا عليهم حال المصافّ ، وقتل جماعة من كبار الموحّدين ، وكانت الوقعة في ربيع الأوّل سنة ثلاث. فسار يعقوب بنفسه ، فالتقوا في رجب بالقرب من مدينة قابس فانهزم ابن غانية ، واستمرّ القتل بأصحابه فتمزّقوا ، ورجع يعقوب إلى قابس فافتتحها ، وأخذ منها أهل قراقوش ، فبعثهم إلى مرّاكش. ونازل قفصة فحاصرها ثلاثة أشهر ، وبها التّرك ، فسلّموها بالأمان. وبعث بالأتراك ففرّقهم في الثّغور لما رأى من شجاعتهم. وقتل طائفة من الملثّمين ، وهدم أسوار قفصة ، وقطّع أشجارها.
__________________
(١) في الأصل : «قسطنطينية» وهو غلط.
(٢) نهاية الأرب ٢٨ / ٣٧١ ، ٣٧٢ ـ.