الكنى
٣٩٣ ـ أبو بكر بن إسماعيل الحرّانيّ. الزّاهد.
ذكره الحافظ فقال : كان من مفاريد الزّمان. اجتمعت فيه من خلال الخير أشياء لو سطرت كانت سيرة. كان زاهدا ، ورعا ، مجاهدا ، مجتهدا ، متواضعا ، ذا عزائم خالصة ، بصيرا بآفات أعمال الآخرة وعيوب الدّنيا ، ذا تجارب.
ساح وخالط ، وكان لا تأخذه في الله لومة لائم ، منقادا للحقّ ، محبّا للخمول ، عاريا من زيّ أهل الدّين. ظاهرا لا يستوطن المواضع. كان تارة يكون معمّما ، وتارة بغير عمامة ، وتارة محلوقا وتارة بشعر. إذا وقف بين جماعة لا يعرفه الغريب ، ولم يكن له في المسجد موضع يعرف به.
وكان إذا قال له أحد : أريد أن أتوب على يدك. يقول : أيش تعمل بيدي ، تب إلى الله.
وكان شجاعا. وهو الّذي جرّى المسلمين على محاصرة الرّها في سنة تسع وثلاثين وخمسمائة ، واشتهر بين النّاس أنّهم يوم وقعة الثّلمة الّتي بالرّها دخل منها المسلمون رأوا رجلا قد صعد فيها ، فهزم من كان بها من الإفرنج ، وصعد النّاس بعده ، فحكى لي بعض النّاس أنّه الشّيخ أبو بكر رضياللهعنه.
وبلغني أنّ ناسا اختلفوا فيه ، فحلف بعضهم أنّه الشّيخ عديّ بن صخر ، فاختلفوا إليه في ذلك ، فقال : ذاك الحرّانيّ. سمعته يقول : كان أبي قد أسره الفرنج إلى الرّها ، فقادوه ، وأخذوني وأخي رهينة ، يعني وهما صغيران ، فكان صاحب البلد يأخذني ويجيء بي عند الصّليب ، ويجعل يحني رأسي نحوه ، فأمتنع عليه مع هيبته ، ويقع في نفسي أنّي إن فعلت صرت نصرانيّا.
وكان يأخذ أخي فيجيء به إلى الصّليب ، فيسجد له ، فأتعلّق به وأمنعه.
ثمّ إنّه خلّص من أيدي الفرنج ، فسمعته يقول : كنت أمرّ إلى الرّها في اللّيل فأصعد إلى السّور ، وأنزل إلى البلد ، فإذا عرفوا بي صعدت إلى السّور ، فإذا صرت على السّور ومعي سيفي وترسي لم أبال بأحد. وصعدت مرّة إلى السّور ، فلقيت اثنين ، قتلت الواحد ودخل الآخر إلى البرج ، فدخلت خلفه فقتلته.