واستقامت له إفريقية بعد ما كادت تخرج عن بيت عبد المؤمن (١).
وامتدّت أيّام ابن غانية إلى حدود عام ثلاثين وستّمائة.
[منازلة السلطان الكرك]
وفي جمادى الأولى جمع السّلطان الجيوش ، وسار إلى الكرك فنازلها ، ونزل بواديها ، ونصب عليها تسعة مجانيق قدّام الباب ، فهدّمت السّور ، ولم يبق مانع إلّا الخندق العميق ، ولم يكن حيلة إلّا ردمه ، فضرب اللّبن ، وجمعت الأخشاب ، وعملوا مثل درب مسقوف يمرّون فيه ، ويرمون التّراب في الخندق ، إلى أن امتلأ ، بحيث أنّ أسيرا رمى بنفسه من السّور إليه ونجا. وكانت فرنج الكرك وسائر ملوكهم وفرسانهم يستمدّون بهم ، فأقبلوا من كلّ فجّ في حدّهم وحديدهم ، فنزلوا بمضائق الوالة ، فرحل السّلطان ، ونزل على البلقاء ، وأقام ينتظر الملتقى ، فما تغيّروا ، فتقهقر على حسبان فراسخ. فوصلوا إلى الكرك ، فقصد السّلطان السّاحل لخلوّه ، ونهب كلّ ما في طريقه ، وأسر وسبى ، فأكثر وبدّع بسبسطية (٢) ، وجينين ، ثمّ قدم دمشق (٣).
[حصار الكرك في كتاب للعماد]
ومن كتاب عماديّ في حصار الكرك يقول : لو لا الخندق الّذي هو واد لسهل مشرع ، فعملنا دبّابات قدّمناها ، وبنينا إلى سفيرة ثلاثة أسراب باللّبن وسقفناها ، وشرعنا في الطّمّ ، وتسارع النّاس ، ولم يبق إلّا من يستبشر بالعمل ، وتجاسروا حتّى ازدحموا نهارا ، كازدحامهم يوم العيد ليلا ، كاجتماعهم في جامع دمشق ليلة النّصف السّعيد ، وهم من الجراح سالمون ، وبنصر الله موقنون ، وإن أبطأ العدوّ عن النّجدة. والنّصر قريب سريع ،
__________________
(١) الكامل في التاريخ ١١ / ٥١٩ ، ٥٢٠ (٥٨١ ه.) ، نهاية الأرب ٢٨ / ٣٧٢ ـ.
(٢) سبسطية : بفتح أولها وثانيها. بلدة من نواحي فلسطين ، من أعمال نابلس. (معجم البلدان ٣ / ١٨٤).
(٣) تقدّم هذا الخبر ومصادره في آخر حوادث سنة ٥٧٩ ه. وتقدم بعضه قبل قليل في هذه السنة أيضا.